التوقف والاحتياط للمعارضة.
وثالثا: أنه لا يستلزم القول بالوقف في تلك المسألة القول بالاحتياط في هذه المسألة، لأن الكلام في تلك المسألة قبل ورود الشرع وفي هذه المسألة بعد وروده، لاحتمال أن يقال معه بالبراءة في هذه المسألة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، ففرق بين قبل ورود الشرع وبعد وروده وبيان الواجبات والمحرمات، فإنه في الثاني لو تفحصنا وما ظفرنا بحرمة الشيء يحكم العقل بالبراءة من جهة قبح العقاب بلا بيان، وليس كذلك الأول، فتأمل.
بقي هنا أمور مهمة، لا بأس بالإشارة إليها.
الأول: أن ما حكي عن المحقق (قدس سره) من التفصيل بين ما يعم به البلوى وغيره في الرجوع إلى أصالة البراءة في الأول دون الثاني (1)، فهو مما لا يرجع إلى محصل وتفصيل في محل النزاع، لأنه لو خرج المشتبه بواسطة عموم البلوى عن كونه مشتبها فهو خارج عن موضوع النزاع، وإن لم يخرج عن كونه مشتبها فلا فرق بينه وبين غيره فتخصيص حجية أصالة البراءة به دون غيره تخصيص بلا مخصص، فراجع كلامه.
الثاني: أنه لا إشكال في أن الأصول ليست في رتبة واحدة، بل بينها ترتب وطولية، فإن الأصول الموضوعية رتبتها مقدمة على الأصول الحكمية، فما دامت الأصول الموضوعية جارية لا تنتهي النوبة إلى الأصول الحكمية، وكذلك الأصول الحكمية بعضها مقدمة على البعض الأخر، فان الاستصحاب الحكمي مقدم على غيره من الأصول الحكمية - مثلا - كما سيجيء الكلام في تعارض الأصول. فعلى هذا لا تجري أصالة البراءة شرعا وعقلا فيما كان هناك أصل موضوعي مطلقا ولو كان موافقا، فإنه مع وجود الأصل الموضوعي لا مجال لأصالة البراءة أصلا لوروده عليها، فإذا شك في حلية حيوان وحرمته لا تجري أصالة الإباحة مع