التعدي إلى الموارد التي لم يكن عمل العلماء على طبقها، ولو قلنا بانجبار أسنادها. هذا مضافا إلى ما في دلالة كل واحد منها على المدعى كما عرفت، بل الظاهر أنها مسوقة لبيان معنى ارتكازي عرفي، وهو أنه لو كان المطلوب من الشخص طبيعة كانت لها أفراد متفاوتة في الفضل ولم يتمكن من الفرد الأفضل لا يترك الفرد الغير الأفضل بواسطة عدم تمكنه من الأفضل كزيارة الحسين (عليه السلام) في الأوقات المخصوصة مثل عرفة والنصف من شعبان وأمثالهما، فإنه لو لم يتمكن الشخص منهما في تلك الأوقات لا يتركها في غيرها، وكالصلاة في أول الوقت فإنه لو لم يتمكن المكلف منها في أول الوقت لا يتركها في غيره، أو كانت الأفراد متساوية في الفضل وكان المطلوب تمام الأفراد ولم يتمكن المكلف من تمام الأفراد وكان متمكنا من بعضها كإكرام العلماء وإعانة الفقراء، فإنه لا يسقط الميسور منهما بالمعسور، ولا يترك إكرام الكل واعطاؤهم بمجرد عدم تمكنه من إكرام الكل واعطائهم، فلا دلالة لها على أنه لو تعلق التكليف بالمركب أو المقيد وتعذر جزؤه أو قيده يجب الإتيان بالفاقد لهما حتى يعين بهما المأمور به حال تعذر الجزء أو الشرط، ولا تصل النوبة إلى البراءة.
ثم لا يخفى أن قاعدة الميسور - على تقدير صحتها وتماميتها - إنما تجري فيما إذا صدق على الباقي عرفا أنه ميسور ذلك الشيء سواء كان الفاقد جزءا أو شرطا، فلو لم يصدق عليه أنه ميسور ذلك الشيء لما تجري تلك القاعدة. نعم ربما يعد شرعا ما ليس بميسور ذلك الشيء عرفا أنه ميسوره أو بالعكس بان يعد ما يكون ميسور ذلك الشيء عرفا أنه ليس بميسوره شرعا وهذا في الحقيقة تعيين للمصداق أو تخطئته فيه لا تخصيص للقاعدة لابائها عنه.
وأما الاستصحاب الجاري في بعض الصور وهو ما إذا كان المكلف في أول الوقت متمكنا من الإتيان بالمكلف به الواجد لتمام الاجزاء والشرائط وتعلق التكليف به ثم طرأ عليه العجز عن بعض الأجزاء والشرائط، فمقتضى الاستصحاب هو الإتيان بالبقية بأحد التقريبين: إما باستصحاب الوجوب النفسي