هذا المقام، فإن كان الوجوب والتحريم متساويين احتمالا ومحتملا فالعقل يحكم بالتخيير بينهما، وإن كان أحدهما أقوى احتمالا كما إذا كان احتمال الوجوب أو الحرمة أقوى من احتمال الآخر، أو محتملا كما إذا كان أحدهما آكد، وإن كانا بحسب الاحتمال متساويين فلابد من ترجيح الأقوى احتمالا أو محتملا وقد تتعارض أقوائية الاحتمال مع آكدية المحتمل، كما إذا كان الوجوب أقوى احتمالا والحرمة آكد محتملا أو بالعكس، فلابد من ملاحظة حكم العقل فإن حكم بترجيح أحدهما فهو، والا فالتخيير.
هذا هو الذي ينبغي أن يقال في المقام لا ما قيل من ترجيح احتمال الحرمة على احتمال الوجوب، من جهة أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة (1)، لما فيه من أن جلب بعض المنافع أولى من دفع بعض المضار في صورة دوران الأمر بينهما يقينا فكيف يقدم احتمال دفع المفسدة على احتمال جلب المنفعة مطلقا في صورة دوران الأمر بينهما احتمالا؟!
هذا تمام الكلام في الشك في التكليف بجميع أقسامه.
وأما الشك في المكلف به مع تيقن التكليف فتارة يكون الشك بين المتباينين، وضابط الشك بين المتباينين أن لا يتمكن المكلف من الاحتياط وامتثال التكليف الواقعي إلا بفعلين وايجادين كدوران الأمر بين الظهر والجمعة في يومها وكدوران الأمر بين القصر والاتمام، فإنه لا يتمكن المكلف من الاحتياط بفعل واحد، بل لابد له من فعلين وايجادين، إذ الركعتين بشرط " لا " مباين وجودا مع الركعتين بشرط شيء وأخرى يكون الشك بين الأقل والأكثر، وضابطه أن يتمكن المكلف من الاحتياط وامتثال التكليف الواقعي بفعل واحد كدوران الأمر بين وجوب السورة في الصلاة واستحبابها.
والشك بين الأقل والأكثر قد يكون بين الأقل والأكثر الاستقلاليين بحيث لو أتى بالأقل وكان الواجب هو الأكثر لكان خارجا عن عهدة التكليف بمقداره، كما