وإنما الموجب لهما هو جهل المكلف بالأحكام الواقعية والتحصيلات الأولية، ففي موارد مخالفة الأمارة للواقع ليس تفويت من الشارع وإلقاء في المفسدة منه، بل فوت الواقع والوقوع في المفسدة.
وأما بناء على كون المجعول فيه هي الأحكام التكليفية أما أولا وبالذات أو بتبع جعل الحجية، فاجتماع حكمين وإن كان يلزم إلا أنهما ليسا بمثلين ولا ضدين، لأن أحدهما طريقي عن مصلحة في نفسه، والآخر واقعي عن مصلحة في متعلقه. هذا تمام الكلام في الأمارات.
وأما الأصول: فإن الأصول التي تكون مثبتة مرة ونافية أخرى كالاستصحاب حالها كحال الأمارات في جميع ما تقدم. ولا إشكال ولا محذور في جعلها كما عرفت، وكذلك أصالة الاحتياط فإنه محرز للواقع، ولا يلزم من جعله محذور.
وإنما الإشكال في الأصول النافية الصرفة كأصالة البراءة والحل والإباحة حيث إن الترخيص الفعلي في الفعل أو الترك ينافي المنع الواقعي فلا محيص فيها عن الالتزام باجتماع حكمين أحدهما واقعي والآخر ظاهري، إلا أنه لما كان الحكم الواقعي غير محرك فعلا لمكان الجهل به لا مانع من التحريك على خلاف مقتضاه كما في الحركة الخارجية، فإنه إذا اقتضت قوة حركة الجسم إلى جهة ولم يكن مانع عن مقتضاها لو اقتضت قوة أخرى تحريكه إلى خلاف تلك الجهة لوقعت المضادة بينهما، ولكن لو كان مانع عن التحرك بالتحريك القوة الأولى لما وقعت المضادة بينهما، فتأمل.
فتحصل أن التعبد بالأمارات والأصول الغير العلمية أمر ممكن، حيث لا يلزم منه محذور، وواقع، لورود الأدلة الدالة على اعتبارها.
ثالثها: أن الأصل فيما لم يعلم اعتباره بالخصوص شرعا عدم حجيته جزما.
ولا إشكال في أن الحجية بمعنى القاطعية للعذر وتنجيز الواقع متوقفة على العلم، إذ وجود الحجة مع عدم العلم بها كعدمها، فلو قامت أمارة على وجوب شيء وكان واجبا واقعا ولكن لم يعلم المكلف بقيام الأمارة على وجوبه لما تنجز عليه ذلك