بيان لا يتحقق إلا بعد الفحص وعدم العلم بالبيان. وأما البراءة الشرعية فهل الرجوع إليها في الشبهات الحكمية ليس مشروطا بالفحص كالشبهات الموضوعية من جهة إطلاق الأخبار الدالة على حلية كل شيء وإباحته حتى يحصل العلم بحرمته، أو أن الرجوع إليها مشروط بالفحص عن الأدلة الاجتهادية، كما أن الرجوع إلى الأصول اللفظية كأصالة الحقيقة وأصالة العموم والإطلاق مشروط بالفحص عن قرينة المجاز والمخصص والمقيد. وإطلاق الأخبار الدالة على الحلية والإباحة إما محمولة على الشبهات الموضوعية أو الأعم منها ومن الشبهات الحكمية، ولكن بعد الفحص عن الأدلة الاجتهادية من جهة تعارضها مع الأخبار الدالة على التوقف والاحتياط بحمل الطائفة الأولى على ما بعد الفحص، وهذه الطائفة على ما بعده لو لم نقل بقصور الطائفة الأولى عن شمولها للشبهات الحكمية قبل الفصح في حد أنفسها، فالكلام هنا في مقامين: أحدهما في أصل وجوب الفحص وعدمه، والثاني في مقداره.
أما الكلام في المقام الأول وهو وجوب الفحص وعدم جواز الرجوع إليها قبله فالحق هو وجوبه.
واستدلوا عليه بوجوه: من الإجماع والعقل والعلم الإجمالي والآيات والأخبار الدالة على وجوب التعلم وتحصيل العلم، والعمدة هي الآيات والأخبار؛ لأن الإجماع محصله غير حاصل لنا، وعهدته على مدعيه، ومنقوله غير مقبول خصوصا في مثل هذه المسألة مما للعقل إليها سبيل.
وأما العقل: فلأن مدرك حكمه بوجوب الفحص هو لزوم دفع الضرر المحتمل، وحكمه بلزوم دفعه معلق على عدم وجود المؤمن، وهو موقوف على أن لا تكون الأخبار الدالة على حلية الأشياء ما لم يعلم بحرمتها مؤمنا قبل الفحص.
وأما العلم الإجمالي بوجود الواجبات والمحرمات الكثيرة في الوقائع المشتبهة فلا يجوز الرجوع فيها إلى البراءة قبل الفحص، كما لا يجوز الرجوع إلى العمومات والإطلاقات بواسطة العلم الإجمالي بوجود مخصصات ومقيدات