والحاصل: أن تصور الفرد لا يكفي لوضع اللفظ للجنس ما لم يتصور الجنس تفصيلا كما في الفرض أو إجمالا كما في الفرض الثاني. وإذا صار الجنس ملحوظا حال الوضع فيخرج عن كون الوضع خاصا والموضوع له عاما، ويدخل في الوضع العام والموضوع له العام.
فظهر أن هذا القسم من أقسام (1) المتصورة للوضع غير معقول، وأما الأقسام الثلاثة الأخر فلا إشكال في معقوليتها، ووقوع القسمين الأولين منها.
وإنما الإشكال والكلام في وقوع القسم الثالث فقيل بأن وضع الحروف وما يشابهها من الموصولات وأسماء الإشارات من هذا القبيل، وإنما التجأوا إلى القول بأن الوضع فيها من هذا القسم من جهة أن المعنى الحرفي لا يكون إلا جزئيا، لأنه ليس إلا الربط بين الشيئين، ومفهوم الربط معنى كلي اسمي مستقل بالمفهومية، فالمعنى الحرفي هو مصاديق الربط لا مفهوم الربط ولا مانع من كون المفهوم معنى اسميا كليا والمصداق معنى حرفيا جزئيا، كما أن الجزئي مفهومه كلي ومصداقه جزئي، وهكذا في النسب والإضافات مفاهيمها مفاهيم اسمية ومصاديقها (2) حرفية، وكما في المعدوم المطلق الذي يتصور في الذهن ويحكم عليه.
والحال أن تصوره في الذهن نحو وجود له، فإن مفهومه مفهوم المعدوم المطلق ومصداقه مصداق الموجود المطلق، والجزئيات لعدم انحصارها أو عدم تناهيها لا يمكن لحاظها وتصورها حتى يوضع اللفظ لها، وبدون اللحاظ والتصور لا يمكن وضع اللفظ لها، ولا يلزم في الوضع من تصور الموضوع له تفصيلا، بل يكفي التصور الإجمالي، فالجزئيات لوحظت بنحو الإجمال في ضمن لحاظ الكلي على وجه كونه مرآة لها ووضع اللفظ بإزائها، فالوضع عام، لأن الملحوظ حين الوضع أمر كلي والموضوع له خاص، لأنه عبارة عن الجزئيات وامتياز هذا القسم من الوضع عن المشترك إنما هو بما ذكرناه لا بتعدد الوضع