ومن هنا ظهر: أنه كما يمكن أن يعبدنا الشارع ببقاء الحكم، ويكون له أثر عملي شرعي وهو وقوع المكلف في ضيق التكليف وكلفته، كذلك يمكن أن يعبدنا بعدم بقاء التكليف ونفيه، ويكون أثره العملي الشرعي الذي هو بحكم العقل كون المكلف في سعة واستراحة من كلفة التكليف، وهذا المقدار من الأثر يكفي في صحة التعبد والحكم بالبقاء كما لا يخفى، وكما أن جعل الحكم إثباتا بيد الشارع كذلك رفعه أيضا بيده.
التاسع: أن الآثار العقلية أو الشرعية المترتبة بواسطة الآثار العقلية اللتين لا تثبتان بواسطة الاستصحاب وسائر الأصول، إنما هو فيما كانتا من الآثار المترتبة على المستصحب، وأما الآثار المترتبة على نفس الاستصحاب والتعبد بالبقاء فترتب مطلقا شرعية كانت أو عقلية أو عادية، فيترتب على استصحاب الوجوب أثره العقلي، وهو لزوم الامتثال ووجوب الموافقة وحرمة المخالفة وسائر الآثار العقلية الأخر، فتدبر، فكما أن الوجوب الواقعي أثره العقلي الذي هو وجوب موافقته وحرمة مخالفته يترتب عليه وإلا يلزم أن يكون جعله لغوا، كذلك الوجوب الظاهري الذي هو مفاد الأمارات والأصول أثره العقلي الذي هو وجوب الموافقة وحرمة المخالفة يترتب عليه، وإلا لزم أن يكون جعله والتعبد به لغوا.
والحاصل: أن وجوب الموافقة وحرمة المخالفة علة غائية للتعبد الأعم من الواقعي والظاهري فيترتبان على كليهما، وإلا لزم أن يكون التعبد لغوا، وأما وجوب المقدمة وحرمة الضد فهل يترتبان على الوجوب الظاهري الثابت لذي المقدمة أو الضد الآخر؟ كما يترتبان على الوجوب الواقعي فيثبت على هذا وجوب مقدمة الواجب الذي ثبت وجوبه بمقتضى الاستصحاب أو حرمة الضد الذي ثبت وجوب ضده الآخر بمقتضى الاستصحاب، أم لا؟
فيمكن إثبات وجوب المقدمة وحرمة الضد بتقربين:
أحدهما: إجراء الاستصحاب في نفس وجوب المقدمة وحرمة الضد، فإنه إذا كان أركان الاستصحاب تماما بالنسبة إلى ذي المقدمة ووجوب أحد الضدين كان