بالنسبة إلى المعنى الأول. فبحسب التصور والإمكان كلا النحوين يمكن وإنما الكلام في أن ما وقع في الخارج هو النحو الأول، وأن ما صدر منه أولا هو الالتزام والتعهد المذكور والعلقة الجعلية تنتزع منه، أو أن ما صدر منه أولا هو جعل العلقة والالتزام المذكور من أحكام وآثار جعل العلقة كجواز تصرف الشخص في ملكه وعدم جواز تصرف غيره فيه اللذين هما من أحكام وآثار علقة الملكية كالكلام في أن الأحكام التكليفية منتزعة عن الأحكام الوضعية، أو بالعكس. والحق أن ما يقع في الخارج هو النحو الثاني، لأنا إذا رجعنا إلى وجداننا في مقام تسمية أولادنا لا نرى في أنفسنا إلا جعل هذا الاسم كلفظ مصطفى مثلا لذلك الولد المخصوص واختصاصه به، فتأمل.
فتحصل: أن الوضع عبارة عن نحو اختصاص للفظ بالمعنى، وعلقة خاصة وربط مخصوص بينهما نظير العلاقة التي بين الملك ومالكه في كونه من الأمور الاعتبارية التي قد توجد بسبب اختياري كإنشائها بالعقود المملكة، وقد توجد بسبب غير اختياري كالانتقالات القهرية، وعلاقة الوضعية التي بين اللفظ والمعنى قد تحدث بسبب اختياري كإنشاء الواضع بأني وضعت هذا اللفظ لذلك وجعلته له وقد تحدث بسبب غير اختياري ككثرة استعماله إلى أن وصلت إلى حد لا يحتاج انفهام المعنى منه إلى القرينة بحيث صار هذا اللفظ لباسا لذلك.
لكن اختلف في أن كثرة الاستعمال الموجبة لصيرورة اللفظ حقيقة في المعنى المستعمل فيه هل تشترط أن تكون مقرونة بالقرينة المنفصلة بأن يستعمل اللفظ في المعنى المجازي اعتمادا على القرينة الخارجية ويفهم ذلك المعنى المجازي من جهة تلك القرينة إلى أن وصل إلى حد ينسبق ذلك المعنى منه إلى الذهن مع قطع النظر عن تلك القرينة أو لا يشترط ذلك، بل يمكن أن تكون مقرونة بقرينة متصلة ووصلت كثرة الاستعمال إلى ذلك؟
والحق هو الأخير وإن قيل بأنه إذا كان الاستعمال مقرونا بالقرينة المتصلة