والحاصل أنه كما في تعلق سائر الأحكام بالكلي يمكن لحاظه في حد نفسه ومستقلا، ويمكن لحاظه على وجه المرآتية للأفراد، كذلك في تعلق الوضع به يمكن لحاظه مستقلا ويمكن لحاظه مرآة.
وأما الوضع الخاص والموضوع له العام فقد قيل بإمكانه بأن يكون تصور الشخص الناشئ من رؤيته موجبا لوضع اللفظ لكلي ذلك الشخص، فيكون الملحوظ حين الوضع معنى خاصا والموضوع له عاما، بل قد قيل: أن وضع أسماء الأجناس كلها من هذا القبيل، فإن الواضع لو لم ير الفرد من الجنس أولا من أين يعلم به حتى يضع اللفظ بإزائه؟! فلحاظ الفرد إنما هو المنشأ لوضع اللفظ للكلي فإنه إذا رأى الفرد الخارجي من الفرس فتصوره يصير منشأ لوضع لفظ الفرس لكلي ذلك، لأن تصور الكلي قد حصل بتصور الفرد، فكما أن تصور الكلي تصور للفرد بوجهه فكذلك تصور الفرد تصور للكلي بوجهه.
وفيه: أن لحاظ الفرد إن كان بإلغاء الخصوصيات الفردية، فيكون الملحوظ حين الوضع أمرا كليا والموضوع له أيضا كليا فيدخل في الوضع العام والموضوع له العام، وإن لم يكن بالغاء الخصوصيات الفردية فلا يكون لحاظه لحاظ الكلي، لأن الفرد مع الخصوصية مباين للكلي، ويكون لحاظه لحاظ الكلي ولو بوجهه، لأن الفرد من جهة تلك المباينة لا يكون وجها له بخلاف الكلي، فإنه بما هو كلي يكون وجها للفرد، لأن تصور الكلي تصور للفرد من ذلك وإن لم يكن تصوره تصور الفرد من سائر الوجوه.
وربما قيل في مقام تصور إمكان هذا القسم من الوضع بأنه إذا رأينا شبحا من البعيد ولا نعرفه بشخصه وأنه من أي جنس من الأجناس فنضع اللفظ بإزاء جنس ذلك الشبح.
وفيه أيضا: أنه على هذا لا يخلو عن تصور الجنس إجمالا، ومجرد رؤيته الشبح وتصوره لا يكفي في وضع اللفظ لجنسه ما لم يتصور الجنس، غاية الأمر أن تصوره إجمالي بخلاف الفرض الأول فإن تصوره تفصيلي.