القولي وكالإباحة فإنها كما تحصل بالإنشاء القولي تحصل بالفعل الخارجي كإحضار الطعام عنده وكالإذن في دخول الدار مثلا، فانه كما يحصل بالقول يحصل بالفعل كفك الباب مثلا، وهكذا.
والحاصل: أنه كما تحصل هذه العناوين بالإنشاء القولي كذلك تحصل بالفعل الخارجي ما يكون مصداقا ولا يكون إنشاء قوليا وعقدا، ولذا لم يتمسك القائلون بصحة المعاطاة ب " أوفوا بالعقود " (1) وتمسكوا ب " أحل الله البيع " (2) ومن تمسك منهم: ب " أوفوا بالعقود " فكأنه لم تظهر له معنى المعاطاة كما ينبغي.
فعلى هذا لا إشكال في حصول مصداق للوضع بهذا الفعل والاستعمال، وإنما الإشكال في أن نفس هذا الاستعمال هل هو استعمال حقيقي أو مجازي أو خارج منهما وليس بحقيقة ولا مجاز؟
يمكن أن يقال: بأن هذا استعمال في المعنى الحقيقي، لأنه عبارة عن الاستعمال في ما وضع له، فلو اعتبر فيه أن يكون الوضع سابقا على الاستعمال لا يمكن أن يكون استعمالا حقيقيا، ولكن إن اكتفينا في الوضع بصرف هذا الاستعمال وقلنا: " إن الحقيقة عبارة عن استعمال اللفظ في الموضوع " ولو كانت صيرورته موضوعا بنفس هذا الاستعمال فلا مانع من كونه حقيقة.
كما يمكن أن يقال: بأنه مجاز، لأنه عبارة عن استعمال اللفظ في غير ما وضع له وهذا استعمال في غير ما وضع له وإنما يصير ما وضع له بعد الاستعمال.
كما يمكن أن يقال: إنه ليس بحقيقة ولا مجاز: أما أنه ليس بحقيقة فلاعتبار الوضع فيها في الرتبة السابقة على الاستعمال، وهنا ليس كذلك، وأما أنه ليس بمجاز فلاعتبار كون الاستعمال في غير ما وضع له فيه، وهنا ليس كذلك.
ولسنا الآن بصدد كون هذا الاستعمال استعمالا حقيقيا أو مجازيا أو ليس بحقيقي ولا مجازي، وإنما الآن بصدد بيان إمكان حصول مصداق الوضع بالفعل كما يحصل بالقول. وعلى الظاهر لا إشكال فيه.