وعلى هذا يندفع الإشكال الذي أورد على القائلين بكون ألفاظ العبادات حقائق شرعية في هذه المعاني المخترعة وصيرورتها حقائق إنما هي بالوضع التعييني وهو أنه لو كان لهذه الألفاظ وضع تعييني بالنسبة إلى هذه المعاني وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وضع هذه الألفاظ لهذه بأن قال: إني وضعت الصلاة مثلا لكذا والصوم لكذا إلى آخرها لنقل ذلك إلينا كما نقل سائر الأحكام، والمعلوم خلافه.
وحاصل الدفع ما عرفت من أن حصول الوضع التعييني ليس منحصرا بالإنشاء القولي حتى يقال: إن المعلوم خلافه، بل يمكن حصول الوضع التعييني بصرف الاستعمال، وهو موجود.
وإذا عرفت حقيقة الوضع وإمكان حصوله بالتعيين قولا وفعلا وبالتعين من جهة كثرة الاستعمال فاعلم أنه بلحاظ نفس الوضع وبلحاظ الموضوع له وبلحاظ كيفية الوضع ينقسم إلى أقسام منها: انقسام الوضع التعييني بلحاظ الوضع والموضوع له إلى أقسام أربعة، وذلك لأن الملحوظ حين الوضع إما معنى كلي أو جزئي، فإن كان الملحوظ معنى كليا فتارة يوضع اللفظ بإزائه وتارة يوضع بإزاء جزئياته، فإن وضع اللفظ بإزاء ذلك المعنى الكلي يكون الوضع عاما والموضوع له أيضا عاما، وإن وضع اللفظ بإزاء جزئيات ذلك الكلي يكون الوضع عاما، لكون الملحوظ حين الوضع معنى كليا والموضوع له خاصا، لأن الموضوع له جزئيات ذلك المعنى الكلي لا نفسه وإن كان الملحوظ حين الوضع معنى جزئيا، فتارة يوضع اللفظ بإزاء نفسه وأخرى بإزاء كلي ذلك الجزئي، فإن وضع اللفظ بإزاء نفس ذلك الجزئي يكون الوضع خاصا والموضوع له أيضا خاصا، وإن وضع بإزاء كلي ذلك الجزئي يكون الوضع خاصا والموضوع له عاما، هذا بحسب التصور.
وأما بحسب الإمكان والوقوع فلا إشكال في إمكان الوضع والموضوع له العامين أو الخاصين، فإن وضع أسماء الأجناس من قبيل الأول، ووضع الأعلام الشخصية من قبيل الثاني، وأما كون الوضع عاما والموضوع له خاصا فهو أيضا ممكن، وذلك لأن الكلي كما يمكن أن يلاحظ لأن يرد الحكم عليه بلحاظ نفسه