وقد ظهر من جميع ما ذكرناه سقوط جميع الأقوال المتقدمة غير ما بنينا عليه من القول بالجواز على وجه الاطلاق، والله العالم.
قوله: ثم إن صلح ذلك الفعل المقابل بالأجرة لامتثال الايجاب المذكور أو اسقاطه به أو عنده سقط الوجوب مع استحقاق الأجرة، وإن لم يصلح استحق الأجرة، وبقي الواجب في ذمته لو بقي وقته، وإلا عوقب على تركه.
أقول: لا يخفى ما في هذه العبارة من القلق والاضطراب، وحاصل مرامه أن الاتيان بالواجب المستأجر عليه قد يترتب عليه امتثال أمر المولى واستحقاق الأجرة كلاهما، كما إذا استأجر أحدا لتطهير المسجد فطهره بقصد امتثال أمر المولى، فإنه حينئذ يستحق الأجرة ويعد ممتثلا، وكذلك الحال في الواجبات التعبدية على مسلكنا، إذ قد عرفت أن أخذ الأجرة عليها لا ينافي جهة عبادتها.
وقد يكون الاتيان بالواجب المستأجر عليه موجبا لاستحقاق الأجرة وسقوط الوجوب بغير امتثال، كتطهير المسجد وانقاذ الغريق والجهاد وغيرها من الواجبات التوصلية، فإن الأجير حين ما يأتي بها بغير داعي الأمر يستحق الأجرة، ولا يكون عمله هذا امتثالا للواجب على الفرض، نعم يسقط عنه الواجب لفرض كونه توصليا، كما أنه يسقط عن بقية المكلفين إذا كان الواجب كفائيا.
وقد يكون الاتيان بذلك العمل موجبا لاستحقاق الأجرة وسقوط الوجوب، لا من جهة الاتيان بالواجب بل لارتفاع موضوع الوجوب، كما إذا أوجب الشارع عملا بعنوان المجانية فأتى به العبد مع الأجرة، وهذا كدفن الميت بناء على أنه واجب على المكلفين مجانا، فلو أتى به لا مجانا لم يتحقق الواجب، فلا يكون مصداقا لواجب في الخارج، لأن المفروض أنه مقيد بالمجانية وقد أتى به مع الأجرة، إلا إن الوجوب