الناحية الأولى: أن يتوجه الضرر ابتداءا إلى أحد من غير أن يكون لفعل الآخر مدخل فيه، كتوجه السيل إلى داره أو بستانه، وكتوجه الظلمة أو السراق إلى نهب أمواله أو هتك أعراضه، ولا شبهة في أن هذا القسم من الضرر لا يجوز دفعه بالاضرار بغيره، تمسكا بأدلة نفي الاكراه والضرر والحرج، بداهة أنها مسوقة للامتنان على جنس الأمة، وبديهي أن دفع الضرر المتوجه إلى أحد بالاضرار بغيره خلاف الامتنان على الأمة، فلا يكون مشمولا للأدلة المذكورة.
على أنه لو جاز لأحد أن يدفع الضرر عن نفسه ولو بالاضرار بالغير لجاز للآخر ذلك أيضا، لشمول الأدلة لهما معا، فيقع التعارض في مضمونها، وحينئذ فالتمسك بها لدفع الضرر عن أحد الطرفين بالاضرار بالآخر ترجيح بلا مرجح، وعليه فلا بد من رفع اليد عن اطلاقها في مورد الاجتماع ويرجع فيه إلى أدلة حرمة التصرف في أموال الناس.
نعم إذا كان الضرر المتوجه إلى الشخص مما يجب دفعه على كل أحد كقتل النفس المحترمة وما يشبهه، وأمكن دفعه بالاضرار بالغير كان المقام حينئذ من صغريات باب التزاحم فيرجع إلى قواعده.
الناحية الثانية: أن يتوجه الضرر ابتداءا إلى الغير على عكس الصورة السابقة، وقد ظهر حكم ذلك من الناحية الأولى كما هو واضح.
الناحية الثالثة: أن يتوجه الضرر إلى الغير ابتداءا وإلى المكره على تقدير مخالفته لما أمر به الجائر، وكان الضرر الذي توعده المكره - بالكسر - أمرا مباحا في نفسه، كما إذا أكرهه الظالم على نهب مال غيره وجلبه إليه، وإلا فيحمل أموال نفسه إليه.
وفي هذه الصورة لا بد للمكره من تحمل الضرر بترك النهب، ومن الواضح أن دفع المكره أمواله للجائر مباح في نفسه حتى في غير حال