ولكن ما أفاده المصنف غير تام صغرى وكبرى، أما عدم صحة الصغرى فلأن الضرر في كلام الموردين إنما توجه إلى الشخص نفسه ابتداءا، فإن الاكراه لا يسلب الاختيار عن المكره ليكون بمنزلة الآلة المحضة، بل الفعل يصدر منه بإرادته واختياره، ويكون فعله كالجزء الأخير من العلة التامة لنهب مال الغير مثلا حتى أنه لو لم يأخذه ولم يجلبه إلى الظالم لكان المال مصونا وإن توجه الضرر حينئذ إلى نفسه فمباشرته للاضرار بالغير لدفع الضرر المتوعد به عن نفسه مباشرة اختيارية، فتترتب عليها الأحكام الوضعية والتكليفية.
وبعبارة أخرى أن مرجع الاكراه إلى تخيير المكره بين نهب مال الغير وبين تحمل الضرر في نفسه على فرض المخالفة، وحيث كان الأول حراما وضعا وتكليفا فتعين عليه الثاني، نعم لو كان الضرر متوجها إلى الغير ابتداءا ولم يكن له مساس بالواسطة أصلا فلا يجب عليه دفعه عن الغير باضرار نفسه.
ومن هنا ظهر الجواب عما ذكره المصنف أخيرا، من أن الفارق بين المقامين هو أدلة الحرج، وأما عدم صحة الكبرى فلأنه لا وجه للمنع عن وجوب دفع الضرر عن الغير بايقاعه بنفسه، بل قد يجب ذلك فيما إذا أوعده الظالم بأمر مباح في نفسه، وكان ما أكرهه عليه من اضرار الغير حراما، فإنه حينئذ يجب دفع الضرر عن غيره بالاضرار بنفسه كما عرفته آنفا لأنه بعد سقوط أدلة نفي الضرر والاكراه والحرج فأدلة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه محكمة.
5 - ما أفاده المصنف أيضا، من أن أدلة نفي الحرج كافية في الفرق بين المقامين، فإن الضرر إذا توجه إلى المكلف ابتداءا ولم يرخص الشارع في دفعه عن نفسه بتوجيهه إلى غيره، فإن هذا الحكم لا يكون حرجيا،