مراده عن المخاطب باظهار غيره وخيل إليه أنه أراد ظاهر كلامه، وقد عرفت آنفا أن الكذب هو مخالفة الدعاوي النفسانية للواقع لا مخالفة ظاهر الكلام له.
و يتفرع على هذا أن جواز التورية لا يختص بمورد الاضطرار ونحوه، لأنها ليست من مستثنيات الكذب بل هي خارجة عنه موضوعا، ومن هنا ذهب الأصحاب فيما سيأتي من جواز الكذب عند الضرورة إلى وجوب التورية مع التمكن منها، وعللوا ذلك بتمكن المتكلم مما يخرج به كلامه عن الكذب.
ثم إن الكلام الذي يوري به قد يكون ظاهرا في بيان مراد المتكلم ولكن المخاطب لغباوته وقصور فهمه لا يلتفت إليه، وهذا خارج عن التورية، بل هو كسائر الخطابات الصادرة من المتكلم في مقام المحادثة والمحاورة، ومن هذا القبيل ما نقل عن بعض الأجلة أن شخصا اقترح عليه أن يعطيه شيئا من الدراهم وكان يراه غير مستحق لذلك، فألقى السبحة من يده وقال: والله إن يدي خالية، وتخيل السائل من كلامه أنه غير متمكن من ذلك.
وقد يكون الكلام ظاهرا في غير ما أراده المتكلم، وهو مورد التورية، كما إذا أراد أحد أن ينكر مقالته الصادرة منه، فيقول: علم الله ما قلته، ويظهر كلمة الموصول على صورة أداة النفي، ويخيل إلى السامع أنه ينكر كلامه.
ومن هذا القبيل ما ذكره سلطان المحققين في حاشية المعالم في