ويضاف إلى ذلك أنه لو أخبر أحد عن قضية لم يعتقد بوقوعها في الخارج وهي واقعة فيه، فإنه على مسلك النظام خبر كاذب مع أنه صادق بالضرورة.
وعن الجاحظ (1) أن صدق الخبر مطابقته للواقع والاعتقاد معا، وكذبه عدم مطابقته لهما معا، وغير ذلك لا صدق ولا كذب.
واستدل على رأيه هذا بقوله تعالى: افترى على الله كذبا أم به جنة (2)، فإن الاخبار حال الجنة غير الكذب، لأنهم جعلوه قسيما للافتراء وغير الصدق، لعدم مطابقته للواقع في عقيدتهم.
وفيه: إنا نرى بالعيان ونشاهد بالوجدان وبحكم الضرورة انحصار الخبر بالصدق والكذب وعدم الواسطة بينهما، وأما الآية المذكورة فهي غريبة عن مقصود الجاحظ، لأن الظاهر منها أن المشركين نسبوا اخبار النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الافتراء الذي هو كذب خاص أو إلى الاخبار حال الجنة الذي لا أثر له عند العقلاء.
والتحقيق أن الجمل بأجمعها خبرية كانت أم انشائية قد وضعت بهيئاتها النوعية لابراز الصور الذهنية واظهار الدعاوي النفسانية - ما شئت فعبر - فإن الواضع - أي شخص كان - إنما تعهد، وتابعه بقية الناس، بأن متى أراد أن يبرز شيئا من دعاويه ومقاصده أن يتكلم بجملة مشتملة على هيئة خاصة تفي بمراده وأداء دعواه في مقام المحادثة والمحاورة.
وهذه الجهة أعني ابراز المقاصد النفسانية بمظهر إنما هي في مرحلة دلالة اللفظ على معناه الموضوع له، فيشترك فيها جميع الجمل خبرية