قرر الإمام (عليه السلام) أسئلتهم عن جواز بيع الميتة من جلود الحمير والبغال وشرائها ومسها، فلولا جوازها لكان تقريره (عليه السلام) لتلك الأسئلة وسكوته عن بيان حكمها اغراء بالجهل وتأخيرا للبيان عن وقت الحاجة، وبضميمة عدم القول بالفصل بين مورد المكاتبة وغيره يتم المطلوب.
ويؤيد ذلك فعل علي بن الحسين (عليهما السلام)، حيث كان يبعث إلى العراق ويجلب الفرو منهم، فإن الظاهر أنه (عليه السلام) كان يأخذ ذلك منهم بالشراء، إلا أن يقال: إن مقتضى السوق ويد المسلم هي التذكية.
وكيف كان فلا بد في رفع المعارضة بينهما، أما من طرح المانعة لموافقتها مع العامة، لاتفاقهم على بطلان بيع الميتة، كما عرفت في أول المسألة، وأما من حملها على الكراهة برفع اليد عن ظهورها بما هو صريح في الجواز، أو على صورة البيع ليعامل معها المذكي إذا بيعت بغير اعلام.
وإن أبيت عن هذه المحامل كلها، فلا بد من الحكم إما بالتخيير فنختار ما يدل على الجواز، وإما بالتساقط فيرجع إلى العمومات والاطلاقات ويحكم بصحة بيعها.
لا يقال: إن تقرير الإمام (عليه السلام) أسئلتهم عن الأمور المذكورة وإن كان لا ينكر إلا أنه لأجل اضطرارهم إلى جعل أغماد السيوف من جلود الميتة من الحمير والبغال مع عدم وجود معيشة لهم من غير ذلك العمل كما يصرح بذلك ما في سؤالهم: لا يجوز في أعمالنا غيرها، ولا ريب أن الضرورات تبيح المحظورات، إذن فلا دلالة في المكاتبة على جواز بيعها في غير حال الاضطرار.
فإنه يقال: لا منشأ لهذا الكلام إلا توهم ارجاع ضمير غيرها في قول السائل: لا يجوز في أعمالنا غيرها، إلى جلود الميتة، ولكنه فاسد،