بل لو لم يكن قوله " حتى تعرف الحرام " كان مفاد الرواية حكما واقعيا نظير كل غنم حلال، ولكن بعد قوله " حتى تعرف.. إلخ " يستفاد منه أنه في مقام بيان إعطاء القاعدة للمشكوك، وحينئذ يكون الشك في الحرمة وعدمها مندرجا تحت القاعدة المستفادة من رواية مسعدة، وإن خرج عن الرواية الآخر التي أخذ الشك في الحرمة والحلية موضوعا، ومجرد أخذ الشك في الحلية والحرمة في موضوع هذه الروايات لا يصلح لأن يكون مقيدا لرواية مسعدة، الذي لم يؤخذ الشك في الحلية والحرمة موضوعا فيها، فتأمل جيدا.
المقدمة الثانية: بعد ما عرفت من رجوع الشك في المانعية إلى الشك في المانعية إلى الشك في منع الشارع فنقول: إن الحلية والحرمة الواردين في عنوان أدلة أصالة الحل لا اختصاص لهما بالحلية والحرمة الناشئتين عن المبغوضية الذاتية وعدمها، حتى يختص موضوع أصالة الحل بالتكاليف الاستقلالية، بل ليس الحرمة إلا عبارة عن المنع الشرعي وما حرم العباد عنه، ولو باعتبار بعض ما يتعلق به من الأفعال كالصلاة فيه، فإن من الشارع عن إيقاع الصلاة في غير المأكول وترخيصه في إيقاعها في المأكول عبارة عن الحرمة والحلية الشرعية، ولم يؤخذ في حاق مدلول لفظة الحرام أن تكون ناشئة عن المبغوضية الذاتية، حتى يختص بالاستقلاليات. ولو سلم انصراف لفظة الحرام إلى التكاليف الاستقلالية، فإنما هو في لسان الفقهاء، وأما في لسان الشارع فلا انصراف فيه إلى ذلك.
والذي يدلك على ذلك استعمال لفظ الحرام في لسان الأدلة بمعناه الأعم الناشئ عن المبغوضية الذاتية أو المنع المتعلق بباب القيود والروايات الواردة في ذلك وإن كانت كثيرة جدا، إلا أنه نحن نقتصر على ذكر رواية واحدة رواها الفقيه مرسلا، قال: سئل أبو جعفر وأبو عبد الله عليه السلام فقيل لهما: إنا نشتري ثيابا يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها، أفنصلي فيها قبل أن نغسلها؟