وبيان ذلك هو أنه يعتبر في كل شك سببي ومسببي أن يكون بين الشك السببي والمسببي ترتب وطولية، وأن يكون ذلك الترتب شرعي لا عادي أو عقلي، وأن يكون الأصل الجاري في الشك السببي رافعا لموضوع الشك المسببي وهادما له، كما في الشك في طهارة المغسول بماء مشكوك الطهارة والنجاسة، حيث إن أصالة الطهارة في الماء يوجب رفع الشك في نجاسة المغسول به.
وبالجملة: يعتبر في رفع الشك المسببي عند جريان الأصل في الشك السببي اجتماع هذه القيود الثلاثة، فلو انتفى أحد هذه القيود، إما بأن لا يكون بينهما ترتب، أو كان ذلك الترتب عاديا أو عقليا، أو كان الأصل الجاري في الشك السببي غير رافع للشك المسببي، كان الشك المسببي باقيا على حاله، والأصل الجاري في الشك السببي مما لا فائدة له بالنسبة إلى الشك المسببي.
إذا عرفت ذلك فنقول: إن الحكم المترتب على ما يحل أكله وما لا يحل، كعدم جواز الصلاة في أجزائه وجوازها، يمكن أن يكون على أحد وجوه ثلاث.
الأول: أن يكون الحلية والحرمة أخذت في موضوع الدليل لمجرد المعرفية إلى الذوات التي يحل أكلها أو يحرم، من الغنم والأرنب وأمثال [ذلك]، بحيث لا يكون لوصف الحلية والحرمة دخل في ترتب ذلك الحكم، من جواز الصلاة في أجزائه وعدم جوازها، وحينئذ يكون جواز الصلاة فيما يؤكل وعدم جوازها فيما لا يؤكل في عرض حلية الأكل وحرمته معروضان لذات الحيوان من دون أن يكون بينهما ترتب وطولية، بل كانا معلولين لعلة ثالثة.
وعلى هذا الوجه لا جدوى لأصالة الحل القاضية بحلية الحيوان، ولا يترتب عليها جواز الصلاة في أجزائه، إذ لا سببية ومسببية بين الحكمين ولا بين الشكين، فأصالة الحل في الحيوان لا يوجب جواز الصلاة فيه، لأن إثبات أحد المتلازمين بالأصل لا يوجب إثبات اللازم الآخر، إلا على القول بالأصل المثبت كما لا يخفى.