المكلف غير مصحح للعقاب، هذا في البراءة العقلية.
وأما البراءة الشرعية فمناط جريانها إنما هو الشك في أمر كان بيد الشارع رفعه ووضعه، وكان في رفعه المنة والتوسعة على العباد، فكلما حصل الشك في مثل هذا تجري البراءة الشرعية.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنه بعد ما عرفت من انحلالية النهي، وأن مثل قوله " لا تشرب الخمر " أو " لا تصل فيما لا يؤكل " ينحل إلى نواهي متعددة، حسب تعدد أفراد الخمر وغير المأكول في الخارج، ويستنبع كل فرد خطاب مستقل يخصه لا ربط له بخطاب الفرد الآخر، يحتاج الوصول والوجود العملي لمثل هذا النهي إلى أمرين: (الأول العلم بالكبرى، وهي حرمة أفراد الخمر وغير المأكول.
(الثانية) العلم بالصغرى، وهي كون هذا الشئ خمرا أو غير مأكول.
فإذا وصل هذان الأمران جميعا كان البعث المولوي والنهي منجزا، ويجب الخروج عن هدته. ولو شك في أحد الأمرين أو كليهما كان البعث غير تام في الباعثية، وتجري البراءة العقلية فيه وكذلك البراءة الشرعية، فإنه بعد ما كان لكل فرد خطاب يخصه فالشك في تحقق الفرد في الخارج شك في تحقق ذلك الخطاب وهو أمر مجهول، أمر وضعه ورفعه بيد الشارع، وفي رفعه المنة فتجري البراءة الشرعية فيه، هذا في الشبهات الموضوعية.
وأما في الشبهات الحكمية إذا كان من جهة إجمال النص، فالكلام فيها الكلام في الشبهات الموضوعية إشكالا وجوابا. كما أن الاشكال والجواب مطرد أيضا في الشبهات التحريمة والوجوبية، وقد استقصينا البحث عن ذلك في الأصول، فراجع.
هذا تمام الكلام في بيان كون الشبهة من مجاري أصالة البراءة.
المقام الثاني في توضيح كون الشبهة من مجاري أصالة الحل التي قام الدليل