بذلك لأن التذكية تعرض المحل القابل فلا يمكن أخذ القابلية في مفهومها لما كان لأصالة عدم التذكية مجال أصلا عند الشك في قابلية المحل لها ولو فرض العلم بتحقق ما هو فعل الذابح، لأن فعل الذابح بنفسه على هذا القول لم يكن تذكية، بل هي مركب من فعله ومن قابلية المحل، وقابلية المحل ليست لها حالة سابقة حتى تستصحب، فإن الحيوان إما أن يوجد قابلا للتذكية وإما أن يوجد غير قابل، فلا مجرى لأصالة عدم التذكية حينئذ كما لا يخفى، هذا.
ولكن حتى على هذا القول لو شك في ورود فعل الذابح على الحيوان المشكوك القابلية لكان أصالة عدم التذكية تجري أيضا، لأنه بناء على هذا القول تكون التذكية معنى حاصلا من فعل الذابح ومن قابلية المحل، وهذا المعنى البسيط الحاصل من ذلك مقطوع العدم عن هذا الجسم في حال حياته فيستصحب إلى حال الممات.
والحاصل: أن نفس قابلية الحيوان للتذكية وإن لم يكن لها سابقة إلا بالعدم المحمولي الثابت قبل وجود الحيوان، إلا أن التذكية الحاصلة منها ومن فعل الذابح يكون مسبوقا بالعدم في حال حياة الحيوان، فتجري أصالة عدم التذكية عند الشك في حصولها، فانقدح أنه عند الشك في تذكية الحيوان تكون أصالة عدم التذكية محكمة، من غير فرق بين أن نقول: إن التذكية عبارة عن نفس فعل الذابح وكان قابلية المحل شيئا آخر معتبرا في تأثير التذكية للطهارة والحلية، أو نقول: إن التذكية هي عبارة عن معنى بسيط منتزع عن مجموع الأمرين، وإنما تظهر الثمرة بين القولين فيما إذا علم بتحقق ما هو فعل الذابح، فإنه بناء على أن التذكية عبارة عن نفس فعل الذابح فالتذكية تحققت قطعا ويرجع إلى قابلية المحل عند الشك فيها إلى أصالة الحل والطهارة سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية، وأما بناء على القول الآخر فأصل التذكية مشكوكة، فتأمل جيدا.