ملاحظة ما يتحصل منها، فنقول:
إن مقتضى القاعدة الأولية هو أنه عند التمكن من معرفة القبلة يجب الصلاة إليها، بمقتضى قوله تعالى: فولوا وجوهكم (1)، وقوله عليه السلام في موثق عمار بعد السؤال عن رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال عليه السلام: إن كان متوجها فيما بين المغرب والمشرق فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم (2)، الخبر. فإن الظاهر منه أنه لو علم جهة القبلة فاللازم عليه هو الصلاة نحوها ولا يكفيه غيرها.
ثم إنه قد ورد أيضا أن ما بين المغرب والمشرق قبلة كما في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة إلا إلى القبلة، قال: قلت: أين حد القبلة؟
قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله (3). وهذه الرواية وإن حملناها سابقا على ما إذا تبين له بعد الصلاة كما في عدة من روايات أخر إلا أنه لا داعي إلى هذا الحمل بعد عموم اللفظ وشموله إلى ما قبل الصلاة.
وطريق الجمع بين هذه الرواية وما دل من وجوب استقبال عين الكعبة هو أن استقبال العين إنما هو للمتمكن من معرفتها، بداهة أن التكليف بالتوجه نحوها إنما هو فرغ الامكان فهو مخصوص قهرا بالمتمكن، وأما قوله عليه السلام " ما بين المشرق والمغرب قبلة كله " فلا بد من حمله بما إذا يتمكن من معرفة القبلة، كما ربما يشعر به قوله في السؤال " أين حد القبلة " أي أين حد القبلة التي يجزي الصلاة إليها في الجملة أي في صورة عدم التمكن من استقبال العين، فقال عليه السلام " ما بين المشرق والمغرب قبلة " أي مع عدم معرفة القبلة يجزيه الصلاة إلى ما بين