العلم، وعلى تقدير عدم إفادتها للعلم فلا أقل من إفادتها الظن، وسيأتي أنه حجة عند تعذر العلم.
لا يقال: كيف يمكن التعويل على العلامات المذكورة في كتب القوم مع أنها بنفسها مختلفة لا يمكن الجمع بينها؟ والاختلاف في ذلك يكون أقوى شاهدا على اشتباههم، وكيف يتصور الجمع بين جعل الجدي خلف المنكب الأيمن مع جعل المغرب والمشرق الاعتداليان على اليمين والشمال؟ فإن جعل المشرق والمغرب كذلك يقتضي مقابلة نقطة الجنوب، وجعل الجدي كذلك يقتضي الانحراف عنه إلى المغرب بما يقرب من اثني عشرة درجة.
فإنه يقال: إن هذا الاختلاف إنما هو لأجل ما ذهبوا إليه من التوسعة في جهة القبلة بحيث لا يضر هذا المقدار من الزيادة والنقيصة في الانحراف، والشاهد على ذلك أنه جمع بين هذين العلامتين من هو أستاذ الفن الذي لا يمكن في حقه الاشتباه كالعلامة على ما حكي عنه فيعلم من هذا أن ذلك لا يكون إلا من جهة التوسعة في جهة القبلة عندهم، وهذا المقدار من التفاوت لا يوجب الخروج عن الجهة بالمعنى الذي ذكرناه، ولا يكون شاهدا على أن المراد من الجهة هو السمت والطرف مع عدم اتصال خط من المصلي إلى الكعبة، فتأمل جيدا.
وعلى أي حال لا بد من الرجوع إلى العلائم التي ذكرها أهل الهيئة لمعرفة القبلة، فإن هذا هو المتيسر للبعيد، نعم حيث كان قدماء أهل الهيئة مختلفين مع المتجددين في تشخيص طول البلاد وعرضها ومقدار الانحراف، حتى نقل أن القدماء ذهبوا إلى انحراف قبلة النجف الأشرف من الجنوب إلى المغرب بمقدار اثني عشرة درجة، والمتجددون ذهبوا إلى أن الانحراف بمقدار ثمانية درجات، فلا بد حينئذ من الأخذ بالاحتياط والمتوسط بين القولين.
وقد عرفت سابقا أن العلامات المنصوصة في الأخبار لا يمكن الأخذ بإطلاقها