مثلا لو نهى عن إحراق زيد فالتكليف بحرمة الاحراق بعد العلم به قد تنجز على المكلف، فلو شككت في الالقاء الكذائي هل هو محصل للاحراق أولا، كان اللازم بمقتضى تنجز التكليف بحرمة الاحراق هو التجنب عن مثل هذا الالقاء المشكوك محصليته، وذلك لرجوع الشك فيه إلى الشك في العصيان، لا إلى الشك في التكليف بداهة العلم بالتكليف والمتعلق كليهما، فالشك في ذلك لا يرجع إلى الشك في أحدهما، بل إلى الشك في تحقق العصيان بمثل هذا الالقاء المحتمل كونه محصلا للاحراق، والشك في تحقق العصيان كالشك في تحقق الإطاعة ليس من مجاري البراءة، لأن مجرى البراءة منحصر في الشك في التكليف لا في محصله.
والحاصل: أن الشك في محصلية الالقاء الكذائي للاحراق لا بد له من رافع ومؤمن عقلي أو شرعي، والمفروض انتفاء المؤمن العقلي والشرعي في مثله، لعدم جريان قبح العقاب بلا بيان، وعدم جريان رفع ما لا يعلمون، لما عرفت من أن مورد البراءة الشرعية والعقلية منحصر بما إذا كان الشك في أصل التكليف لا في محصله، فتأمل جيدا.
هذا كله فيما إذا لم يكن للتكليف تعلق بموضوع خارجي.
وأما إذا كان له تعلق بذلك، فيختلف حال الشك حسب اختلاف التكاليف الوجودية والعدمية بأقسامها المتقدمة.
فلو كان التكليف وجوديا، وكان المطلوب منه صرف الوجود كما هو الأصل في التكاليف الوجودية على ما عرفته فقد تقدم أن الظاهر من مثل قوله أكرم عالما هو أن لا يكون التكليف مشروطا بأزيد مما يشترط العقل في جميع التكاليف من القدرة على الامتثال، ولازمه أن لا يكون الملاك والتكليف مشروطا بوجود العالم، فاللازم حينئذ هو وجوب تحصيل العالم ليكرمه، وعلى تقدير الشك في وجود العالم أو القدرة على إيجاده فاللازم هو الفحص حتى يعلم بعدم القدرة.