إيجاد الشرب في الخارج، فلو كان المقصود هو عدم اتصاف الشخص بشرب الخمر كان حق العبير أن يقول: كن لا شارب الخمر، لا أن يقول: لا تشرب الخمر.
وبالجملة: هذا الاحتمال في باب التكاليف العدمية ضعيف جدا.
بقي في الباب احتمالان آخران.
(أحدهما) أن يكون المقصود من النهي هو السلب الكلي على نحو العام المجموعي، بأن يكون معنى قوله لا تشرب الخمر هو ترك مجموع أفراد الخمر من حيث المجموع، بأن كان هناك خطاب واحد تعلق بالمجموع ويكون عصيانه بوجود أول فرد من شرب الخمر، من دون أن يكون للباقي طاعة وعصيان كما كان في النذر كذلك.
وهذا الاحتمال وإن كان ربما يعينه مقابلة النهي للأمر كما تقدم إلا أنه أيضا خلاف الظاهر، فإن الظاهر من قوله لا تشرب الخمر هو أن يكون مطلق وجود شرب الخمر مبغوضا، سواء في ذلك الوجود الأول والثاني والثالث وهكذا، لا أن يكون المبغوض هو أول الوجود كما هو لازم معنى السلب الكلي.
والحاصل: أن كون المقصود في النهي هو السلب الكلي على نحو المجموع يحتاج إلى عناية زائدة عن تعلق النهي بنفس الطبيعة، وهي أخذ مجموع وجودات الطبيعة أمرا ويلاحظها بلحاظ فأرد ثم ينهى عنها بما أنها أمر واحد، وهذا خلاف ظاهر توجه النهي على نفس الطبيعة، فإن ظاهره أن يكون لكل وجود من الطبيعة مفسدة لا ربط بها بالآخر.
فيتعين (الاحتمال الثالث) وهو الانحلالية، وأن في باب النواهي يكون لكل وجود يفرض للطبيعة خطاب برأسه وطاعة وعصيان يخصه، وهذا الخطاب لا تحقق له إلا بعد تحقق الفرد خارجا، لما عرفت من أنفي باب التكاليف