وبالجملة: كلما رجع الشك إلى ناحية القدرة العقلية، فمن حيث عدم دخلها في الملاك العقل يستقل بوجوب الفحص ويحكم بذلك حكما طريقيا، نعم لو كانت القدرة شرطا شرعيا فمن حيث دخلها في الملاك كما تقدم كان الشك فيها شكا في أصل التكليف، فلا يجب الفحص حينئذ إذا كان الشك فيه من أجل الشبهة الموضوعية كما فيما نحن فيه، إلا أن يقوم دليل من الخارج على وجوب الفحص، أو كان الخطاب المشروط بالقدرة يقتضي الفحص، لأنه كانت القدرة المأخوذة في الخطاب شرعا مما لا يمكن العلم بها بحسب العادة إلا في الفحص كما في الاستطاعة الحجية، فإن العلم بحصولها لا يمكن عادة إلا بالفحص عن مقدار المالية وما يملكه.
وهذا هو السر في فتوى المشهور بوجوب الفحص عن الاستطاعة مع أن القاعدة لا تقتضي ذلك، لما عرفت من أنه كلما كان الشك في أصل تحقق ما هو شرط التكليف وكان له دخل في الملاك كان مرجعه إلى أصل التكليف، وأصالة البراءة تنفي وجوب الفحص إذا كانت الشبهة موضوعية.
وحاصل الكلام: أن في التكاليف الوجودية إذا لم يكن الملاك والتكليف مشروطا بوجود الموضوع، كان اللازم هو وجوب الفحص عن تحقق الموضوع والقدرة عليه، وقد عرفت أن عدم اشتراط الملاك والتكليف بوجود الموضوع مما يقتضيه إطلاق الخطاب إذا كان المطلوب منه صرف الوجود كما هو مقتضى طبع الأمر والأصل فيه.
وأما إذا كان الملاك والتكليف مشروطا بوجود الموضوع، كما إذا قام دليل من الخارج على ذلك، كان مقتضى القاعدة عند الشك فيه عدم وجوب الفحص والبراءة عنه، إلا أن يقوم دليل على وجوب ذلك، أو كان الخطاب بنفسه يقتضيه، كما في بلوغ المال حد الاستطاعة في الحج، وحد النصاب في