روضات الجنات انه خرج مع أصحابه إلى نزهة فمر بهم غلام من أهل البادية يسوق غنما له فقال أبو نواس لأصحابه ألا اضحككم منه قالوا له افعل فصاح به وقال:
أيا صاحب الشاء اللواتي يسوقها * بكم ذلك الكبش الذي قد تقدما فاجابه الراعي على البديهة:
ابيعكه ان كنت تبغي شراءه * ولم تك مزاحا بعشرين درهما فقال له أصحابه هو والله أشعر منك. ومن أخبار أبي نواس بمصر ما رواه المرتضى في الأمالي بسنده عن إبراهيم بن الخصيب قال وقف أبو نواس بمصر على النيل فرأى رجلا قد اخذه التمساح فقال:
أضمرت للنيل هجرانا ومقلية * منذ قيل لي انما التمساح في النيل فمن رأى النيل رأى العين من كثب * فما أرى النيل الا في البواقيل قال وقد أخطأ الصولي في تفسير بيت أبي نواس بان البواقيل سفن صغار لان البواقيل جمع بوقال وهو آلة على هياة الكوز تعمل من الزجاج وغيره قال وهذا مثل قول ابن الرومي:
وأيسر أشفافي من الماء انني * امر به في الكوز مر المجانب وأخشى الردى منه على كل شارب * فكيف بأمنية على نفس راكب وانما أراد انني لا امر بماء النيل الا إذا أردت شربه في كوز أو بوقال وما أشبه ذلك وأظن أنه استمر عليه الوهم من جهة قوله فما أرى النيل وصرف ذلك إلى أنه أراد النيل على الحقيقة وانما أراد ماء النيل وما علمت أن السفن الصغار يقال لها بواقيل الا من قول الصولي هذا ولو كان ما ذكره صحيحا من أن ذلك اسم لصغار السفن لكان بيت أبي نواس بما ذكرناه أشبه وأليق وادخل في معنى الشعر وكيف يدخل شبهة في ذلك مع قوله فمن رأى النيل رأي العين من كثب ومن رأى النيل في السفن فقد رآه من كثب ومن رأى ماءه في الآنية على بعد فلا يكون رائيا له من كثب.
روايته الحديث قد عرفت عند ذكر أقوال العلماء فيه وستعرف عند ذكر مشايخه انه كان من رواة الحديث وروى عن عدة مشايخ.
ما روي من طريقه في تاريخ بغداد في ترجمة محمد بن كثير أبو عبد الله الصيرفي البابشامي انه روي عنه عن أبي نواس الشاعر عن حماد بن سلمة يرفعه إلى انس بن مالك حديثان مسندان إلى النبي ص أحدهما أنه قال لا يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه بالله فان حسن الظن بالله ثمن الجنة. ورواه ابن عساكر من طرق متعددة وثانيهما أنه قال لكل نبي شفاعة واني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة.
مداعبته مع مشايخ الحديث واللغة من طريف حال أبي نواس ان يكون راويا للحديث وهو شاعر مستغرق الشعر في المجون والتفنن في الغزل ووصف الخمر وما إلى ذلك ومن هذا دأبه لا يميل إلى رواية الحديث لكن علو همته دعاه إلى الدخول في كل فن والجمع بين ما لا يتناسب فتراه وهو يروي عن عدة مشايخ تزيد على ثمانية يولع بافانين المجون والغزل ووصف الخمر ولم يترك أبو نواس الظرف والمداعبة في شعره حتى في حال طلبه الحديث ومع أحد مشايخه فيه. روى الخطيب في تاريخ بغداد عن ابن عائشة قال كنا على باب عبد الواحد بن زياد أحد مشايخ أبي نواس في الحديث ومعنا أبو نواس فقال يعني عبد الواحد ليسأل كل واحد منكم ثم قال اي لأبي نواس سل يا فتى فأنشأ يقول:
ولقد كنا روينا * عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب * ان سعد بن عباده قال من مات محبا * فله أجر الشهادة فالتفت اليه عبد الواحد بن زياد وقال اعزب عني يا خبيث والله لا حدثتك بشئ وانا أعرفك. ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق مع تغيير وزيادة قال: قال سليمان بن داود بينا نحن ذات يوم عند عبد الواحد بن زياد وأبو نواس حاضر فقلنا لبعضنا ليختر كل واحد منك عشرة أحاديث فاختاروا ولم يختر أبو نواس فقلنا يا فتى ما لك لا تختار فأنشدنا:
ولقد كنا روينا * عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب * ثم سعد بن عباده وعن الشعبي والشعبي * شيخ ذو جلاده وعن الأخيار يحكيه * وعن أهل الوفاة ان من مات محبا * فله أجر الشهادة فقال له عبد الواحد قم يا ماجن وبلغ ذلك مالك بن أنس وإبراهيم بن يحيى فقالا عراقي غث ليس له تمام نسك ولا عقل ولا ظرف فهلا اغتنم ظرفه فقال أبو نواس:
لعمرك ما العبد المؤدي ضريبة * بل العبد عبد الواحد بن زياد فليس بذي دنيا ولا ذي ديانة * ولا ذي حجى في علمه وسداد وحكى أن منظور هذا الخبر على نحو آخر فقال: أقبل أبو نواس إلى مجلس عبد الواحد بن زياد بالبصرة وقد كثر عليه أصحاب الأحاديث ليسألوه عنها فقال لهم ليسأل كل رجل منكم عن ثلاثة أحاديث وليمض ففعل الناس ذلك حتى إنتهى إلى أبي نواس فقال يا غلام سل أنت فقعد بين يديه وقال هاك الحديث فقال هات فأنشده:
ولقد كنا روينا * عن سعيد عن قتادة عن زرارة بن أوفى * إن سعد بن عباده قال من لاقى حبيبا * فاز منه بالسعادة وإذا مات محبا * فله أجر الشهادة والذي يجمع ألفين * على حسن الإرادة بوقار وسكون * وتات للمراده هو في ذاك حكيم * زعمت ذاك جراده نية الفاسق فاعلم * هي خير من عباده أترى ذاك صوابا * نتبع منه سداده قد روى ذاك هشام * عن أبان عن جنادة