ولو سلمنا أن للعهد معنى يلائم ذلك أيضا، فإرادة ذلك المعنى من العهد - الذي هو معنى العقد في الآية - غير معلوم، بل لا سبيل إلى إثباته.
فيمكن أن يكون المراد من العقود: الوصايا الإلهية الموثقة، أي المشددة في ثبوتها، أي التكاليف اللازمة، فإنها وصايا منه سبحانه إلى عباده، كما ورد في الآيات المتكثرة، كقوله سبحانه: ﴿ووصينا الإنسان بوالديه حسنا﴾ (١) و ﴿ما وصى به نوحا... وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى﴾ (2) إلى غير ذلك.
ويمكن أن يكون المراد منها: مطلق الوصايا ويمكن أن يكون منها:
الأوامر، والإيمان، والضمانات.
وبالجملة: إثبات كون المراد من العهود المأخوذ في معنى العقود في الآية معنى يصدق على مثل: عاوضت فرسي ببقرك، أمر مشكل جدا، وبدون ذلك لا يصح الاستدلال بالآية فيما هم بصدده.
الرابع: أنه قد عرفت أن معنى العقد لغة: الجمع بين الشيئين بحيث يعسر الانفصال بينهما، وإذا كان ذلك معناه اللغوي حقيقة، فيكون المراد منه في الآية الشريفة معناه المجازي، وإذا كان كذلك، فتتسع دائرة الكلام ومجال الجدال في التمسك بالآية كما لا يخفى.
ومن جميع ذلك ظهر ضعف التمسك بتلك الآية الشريفة في إثبات لزوم بعض ما يعدونه عقدا في الكتب الفقهية. وحيث انحصر الدليل على أصالة لزوم كل عقد بتلك الآية، فتكون تلك الأصالة غير ثابتة، بل الأصل عدم اللزوم، إلا أن يثبت لزوم عقد بدليل خاص، كالبيع وأمثاله.
وعلى الله التوكل والاعتصام، وعلى نبيه وآله الصلاة والسلام.