البحث الرابع: قد عرفت أنه تكاثرت الآيات، واستفاضت الاخبار على نفي العسر والحرج - أعني الضيق - في الدين والتكاليف، ومقتضى تلك الظواهر: انتفاؤهما رأسا، ولولا غير هذه الظواهر، لم يكن هناك كلام وبحث، بل كان اللازم العمل بعموماتها، ويرجع في تعيين معنى العسر والضيق إلى العرف، فيحكم بانتفاء كل ما يعد في العرف عسرا وضيقا.
ولكن هناك أمران أوجبا الاشكال في المقام:
أحدهما: أن نفيهما بعنوان العموم كيف يجتمع مع ما يشاهد من التكاليف الشاقة والاحكام الصعبة التي لا يشك العرف في كونها عسرا أو صعبة 1، بل حرجا وضيقا؟! كالتكليف بالصيام في الأيام الحارة الطويلة، وبالحج، والجهاد، ومقارعة السيف والسنان، والامر بالقرار في مقابلة الشجعان، والنهي عن الفرار من الميدان، وعدم المبالاة بلوم اللوام في اجراء الاحكام، والتوضؤ بالمياه الباردة في ليالي الشتاء، سيما في الاسفار.
وأشد منها الجهاد الأكبر مع أحزاب الشيطان، والمهاجرة عن الأوطان لتحصيل ما وجب من مسائل الحلال والحرام، وترك الرسوم والعادات المتداولة بين الأنام، المخالفة لما يرضى به الملك العلام، إلى غير ذلك.
وثانيهما: أنا نرى الشارع ولم يرض لنا في بعض التكاليف بأدنى مشقة، كما يشاهد في أبواب التيمم وغيره، ويلاحظ في الأخبار الواردة عن الأئمة عليهم السلام - التي ذكرنا بعضها - من نفيهم بعض المشاق الجزئية، مستدلين بنفي العسر والحرج، وكذا في كلام الفقهاء.
ونرى مع ذلك: عدم سقوط التكليف في كثير منها بأكثر وأشد من ذلك.
ولم أعثر على من تعرض لذلك المقال اجمالا أو تفصيلا، إلا طائفة من