ولكن لما لم يثبت ذلك في البيع، وهو وأمثاله أمور توقيفية، وما ثبت جوازه لا معنى لتعلقه بغير المعين عقلا، فيحكم بفساد بيع المجهول، ولذا قد يحكم بالصحة في بعض العقود، كما يقولون في الإجارة إذا آجره: أنه إن خاط كذا فله كذا، وإن خاط كذا فله كذا، ومرجعه إلى الإجارة التخييرية، فالمناط أولا هو الأصل المتوقف رفعه على التوقيف.
فيقال في البيع مثلا: إن الثابت من البيع هو البيع التعييني الذي هو المتبادر منه وحقيقته، فإنه ليس بيع الشئ تخييرا بيعا في الحقيقة، كما أن الواجب التخييري ليس بواجب حقيقة، وهو لا يمكن تعلقه بالمجهول، وما يمكن تعلقه به في الجملة وهو البيع التخييري، لم يثبت من الشرع.
ثم بما ذكرنا ظهر: سر ما ذكره الفقهاء من فساد البيع بجهالة أحد العوضين، ولكن ذلك مختص بما كان غير معين في الواقع وعند المتبايعين، كأحد هذين الشيئين. وأما ما كان معينا في الواقع، مجهولا عند أحدهما أو كليهما، فلا يثبت فساده بذلك، بل بدليل آخر.
وتوضيحه: أن الجهالة الداخلة في البيع إما تكون في الثمن أو المثمن، وعلى التقديرين إما تكون واقعا، أي: لا يكون المبيع أو الثمن معينا في الواقع أيضا، نحو: أحد هذين الشيئين، حيث إن تعين كونه مبيعا يتوقف على قصد المتبايعين، ولا يمكن تعيينه من هذه الحيثية إلا به، ولا قصد لهما على التعيين.
أو يكون ظاهرا، أي: لا يكون معلوما بخصوصه عند المتبايعين أو أحدهما و إن تعين في الواقع، نحو: بعت ما في هذا الصندوق.
وعلى التقادير الأربعة: إما يكون الجهل في المقدار، أو الجنس أو الوصف.
وعلى التقادير: إما يوجب الجهل به الغرر أم لا.