وعلى هذا: فلما كان البيع إثبات ملكية شئ للمشتري، فإن تعلق بالموجود الخارجي حال البيع، يجب تعيينه خارجا كهذا الشئ المعين، وإن تعلق بالماهية والنوع، يجب تعيينها في نفسها، فلا يصح بيع أحد هذين الشيئين، أو أحد هذين النوعين.
نعم لما كان البائع مأمورا بالإقباض والتسليم، وهو لا يمكن في الماهيات إلا بتسليم الفرد، فيكون تسليم الفرد واجبا عليه في الثاني من باب المقدمة وجوبا تخييريا.
ولا يتوهم: أنه إذا باع أحد هذين من الفردين، أو أحد هذين النوعين، يكون موضوع البيع ومحل الملكية أمرا كليا معينا، وهو القدر المشترك بينهما، فيكون البيع صحيحا.
لأن المراد بهذا القدر المشترك الذي صار موضوعا للبيع والملكية، إن كان هو مفهوم أحدهما، فهو أمر جعلي اعتباري، وليس له وجود، لا في الخارج ولا في الواقع، فلا يمكن كونه موضوعا لهذه الصفة الواقعية النفس الأمرية، و لا يمكن للبائع جعله محلا لهذه الصفة.
وإن كان المراد هو الكلي الذي يجمعهما، وهما من الأفراد الواقعية له، فيلزم عدم لزوم تسليم أحد هذين الفردين، بل جاز تسليم فرد آخر من أفراد هذا الكلي على فرض وجوده، كما هو شأن بيع الأنواع والأجناس، وهو خلاف مقصود المتبايعين، فتعين كون البيع فاسدا.
والتوضيح: أنه كما عرفت لا بد للملكية من موضوع، وهو لا بد وأن يكون أمرا واقعيا يمكن تحققه في الخارج. وكما أن الأعيان الخارجية والجزئيات الحقيقية أمور موجودة متأصلة متحققة، فكذا الكليات، لا بمعنى أنها موجودة خارجا بوصف الكلية، بل على نحو وجود الكليات، كما بيناه في شرح تجريد الأصول وغيره (1).