الأصل، أم لا؟ وبالجملة في أن ولايتهم فيما هي؟
فإني قد رأيت المصنفين يحيلون كثيرا من الأمور إلى الحاكم في زمن الغيبة و يولونه فيها، ولا يذكرون عليه دليلا، ورأيت بعضهم يذكرون أدلة غير تامة، و مع ذلك كان ذلك أمرا مهما غير منضبط في مورد خاص.
وكذا نرى كثيرا من غير المحتاطين من أفاضل العصر وطلاب الزمان إذا وجدوا في أنفسهم قوة الترجيح والاقتدار على التفريع، يجلسون مجلس الحكومة ويتولون أمور الرعية، فيفتون لهم في مسائل الحلال والحرام، و يحكمون بأحكام لم يثبت لهم وجوب القبول عنهم، كثبوت الهلال ونحوه، و يجلسون مجلس القضاء والمرافعات، ويجرون الحدود والتعزيرات، و يتصرفون في أموال اليتامى والمجانين والسفهاء والغياب، ويتولون أنكحتهم، و يعزلون الأوصياء، وينصبون القوام، ويقسمون الأخماس، ويتصرفون في المال المجهول مالكه، ويؤجرون الأوقاف العامة إلى غير ذلك من لوازم الرئاسة الكبرى.
ونراهم ليس بيدهم فيما يفعلون دليل، ولم يهتدوا في أعمالهم إلى سبيل، بل اكتفوا بما رأوا وسمعوا من العلماء الأطياب، فيفعلون تقليدا بلا اطلاع لهم على محط فتاويهم، فيهلكون ويهلكون، أأذن الله لهم أم على الله يفترون؟!.
فرأيت أن أذكر في هذه العائدة الجليلة وظيفة الفقهاء، وما فيه ولايتهم، و من عليه ولايتهم على سبيل الأصل والكلية.
ولنقدم أولا شطرا من الأخبار الواردة في حق العلماء الأبرار، المعينة (1) لمناصبهم ومراتبهم، ثم نستتبعه بما يستفاد منها كلية، ثم نذكر بعد ذلك بعض موارد هذه الكلية.