وإن أردت معرفة التفرقة بين فساد العقل وخفته ونقصه، فقسه بالأمور المحسوسة وإطلاق الفساد والنقص فيها. فإن اللؤلؤة إذا خرجت من الصدف، فتارة تكون فاسدة ضائعة، إما لأجل كونها مسودة، أو بحيث تتفتت أجزاؤها إذا فركت باليد; وأخرى تكون غير حسنة، نحو أن قل صفاؤها، ونحو ذلك.
وانظر إلى البطيخة، فإنها إذا كانت بحيث خرجت عن طبيعتها الأصلية، وحدث فيها أمر مفسد لها، كالمرارة، أو الديدان، أو العوار، يقال: إنها فاسدة.
وإذا لم يكن كذلك ولكن كانت أنقص من أمثالها من البطيخ، إما لقلة حلاوتها أو قلة لطافتها، يقال: إنها ناقصة أو رديئة، سواء كان ذلك النقص لأجل عدم بلوغه، أو أن الكمال في أوائل نموه، أو لأجل كون ذاته كذلك، كالبطايخ الغير الحلوة.
وما كان من القسم الأول يطرح ولا يكون لها طالب، إلا إذا كان فساده قليلا بحيث لا يعبأ به أو يكون بعض أجزائها غير فاسد.
وما كان من القسم الثاني يحفظونه ويطلبونه وإن نقصت قيمته عن الحلو اللطيف وقل طالبه بالنسبة إليه.
وبالجملة: فساد العقل بأقسامه هو الجنون، والمتصف به هو المجنون، إلا إذا كان فساده قليلا لا يدرك أو لا يلتفت إليه أهل العرف. وخفته بالنسبة إلى عقول غالب الناس هي السفاهة، إلا إذا كانت الخفة قليلة لا يلتفت إليها في العرف، سواء كانت الخفة لأجل عدم بلوغه حد الكمال كالصبيان، أو لقصور فيه بالذات كالأبله والأحمق.
وكما أن للجنون فنونا وأقساما ومراتب متفاوتة، كذلك للسفاهة أنواعا و مراحل مختلفة.
ومن أفراد خفيف العقل الذي هو السفيه - هو مصطلح الفقهاء كما يأتي - و هو الذي ليس له ملكة إصلاح المال في طريق حفظه، إذ المراد منه فاقد الملكة