أقول: الجواب، أما عن دليله الأول: فبوجود الدليل على التكليف المذكور، وهي الأدلة التي قدمنا ذكرها 1.
وأما عن الثاني، فأولا: بعدم حجية شئ من تلك الأخبار لو دلت على ما رامه، لمخالفتها لعمل العلماء الأخيار، وشهرة القدماء، وآيات الكتاب العزيز، و عمومات الأخبار المتواترة.
وثانيا: بعدم دلالتها على مطلوبه أصلا، وذلك: لان مرادنا بكون الكفار مكلفين بالفروع: أن الله سبحانه طلب منهم أن يؤمنوا ثم يصلوا مثلا، فهم حال كفرهم مكلفون بالاتيان بذلك الترتيب، أي: الايمان أولا ثم الصلاة، حتى لو تركوهما معا، يترتب على تركهم الصلاة ما يترتب على ترك المؤمن إياها من العقاب والقضاء لولا الدليل على سقوطه، وغير ذلك.
ولم نرد أن الله طلب منهم أن يصلوا ولو مع الكفر، وإنما ذلك شأن المطلوب منهم بلا ترتيب ولا شك أن المولى إذا أمر عبده بأشياء مرتبا، فيقول له حين كونهما في البصرة: اذهب إلى بغداد، فإذا دخلتها ابن لي فيها بيتا، فإذا بنيته فافرشه، وإذا فرشته اكنس فرشه، وإن تركت واحدا منها، أضربك عشرة أسواط، يكون العبد مكلفا بالذهاب إلى بغداد، وبناء البيت فيه، وفرشه، وكنس فرشه، ويقال عرفا: إنه مكلف بجميع هذه الأمور، ولا يقال في شئ منها: إنه تكليف بما لا يطاق.
ولو ترك الجميع يستحق بترك كل منها ضرب عشرة أسواط، ومع ذلك يصح أن يقال: إنه لم يكلفه ببناء البيت وهو في البصرة، ولا بالافتراش وهو لم يبن البيت بعد، وأنه ما لم يدخل بغداد كيف يجب عليه بناء البيت؟.
ومعناه: أن هذا التكليف ترتيبي، لم يطلب المتأخر الا بعد المتقدم، يعني أنه