ثم إن تلك المذكورات، إما ترد على التكليف الثابت نوعها، أو على نفس التكليف، فتنفيه رأسا.
ثم الإشكال في هذا المقام من وجهين:
الأول: أن نفي المذكورات بعنوان العموم كيف يجامع ما نشاهد من التكليف بالجهاد، والحج، والصيام في الأيام الحارة، والجهاد الأكبر، وأمثالها؟
والثاني: أنا نرى الشارع لم يرض لنا في بعض التكاليف بأدنى مشقة، كما نشاهد في أبواب التيمم. ونرى عدم السقوط في كثير منها بأكثر من ذلك.
وكذلك الكلام في الضرر المنفي، فإنا نرى التكليف بالخمس، والزكاة، و صرف المال في الحج، وفي إنفاق الوالدين، وغيرهما، مع ما فيه من الضرر، و كذا نرى عدم الرضى بالضرر فيما هو أقل من ذلك.
والذي يقتضيه النظر بعد القطع بأن التكاليف الشاقة والمضار الكثيرة واردة في الشريعة: أن المراد بنفي العسر والحرج والضرر: نفي ما هو زائد على ما هو لازم لطبائع التكاليف الثابتة بالنسبة إلى طاقة أوساط الناس المبرئين عن المرض والعذر، الذي هو معيار مطلقات (1) التكاليف. بل هي منفية من الأصل إلا فيما ثبت، وبقدر ما ثبت.
والحاصل أنا نقول: إن المراد أن الله تعالى لا يريد بعباده العسر، والحرج، والضرر، إلا من جهة التكاليف الثابتة بحسب أحوال متعارف (2) الأوساط، وهم الأغلبون، فالباقي منفي، سواء لم يثبت أصله أصلا، أو ثبت، ولكن على نهج لا يستلزم هذه الزيادة.
ثم إن ذلك النفي: إما من جهة تنصيص الشارع، كما في كثير من أبواب الفقه من العبادات، وغيرها، كالقصر في السفر والخوف في الصلاة، والإفطار في الصوم، ونحو ذلك. وإما من جهة التعميم، كجواز العمل بالاجتهاد للغير