مفاده تحريم الضرر.
وثالثها: أن يكون النفي باقيا على حقيقته، ويكون المراد نفى ماهية الضرر والضرار في دين الإسلام، ويكون المعنى: لا ضرر ولا ضرار موجودا، ومتحققا في دين الإسلام، أي: ليس من أحكام دين الإسلام ما يوجب ضررا أو ضرارا، فكل ما كان فيه ضرر، فليس منها.
ومحصله: أن الله سبحانه لم يرض لعباده بضرر لا من جانبه ولا من جانب بعضهم بعضا، فكل ما كان متضمنا لضرر، فهو ليس مما يرضى الله به، وليس من أحكامه.
ثم إنه لا شك في أن مقتضى أصالة الحقيقة: هو الحمل على المعنى الأخير، لأن الأول يوجب حمل الأخبار على المعنى الإنشائي، والثاني حمل نفى الجنس الذي هو حقيقة في نفي الحقيقة على نفي الوصف، وكل منهما خلاف الأصل مع أن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " في الإسلام " كما في الحديث الأول، لا يتلائم مع المعنى الأول أصلا، فيكون المعنى الثالث متعينا.
وأما الضرر الواقع: فهو لا يصلح قرينة للأول، لأن المراد من الضرر الواقع إن كان مطلق الضرر فيكون كذلك، ولكن قرينة المقام، وهو كون النبي (صلى الله عليه وسلم) في مقام بيان أحكام الدين والإسلام، بل خصوص الرواية الأولى تدل على نفي الضرر والضرار في الإسلام من حيث هو إسلام، وليس مثل هذا الضرر بواقع.
وإن كان ما قيل من مثل القصاص والديات والتقاص وتضمين الغاصب و نحوها، فمع منع كون مثلها ضررا، بل هي جائزة، للضرر الواقع على الغير، فجوازها ينافي المعنيين الأولين أيضا. والتوجيه بالتخصص مشترك.
هذا، مع أن المعنيين الأولين يختصان بضرر العباد بعضهم بعضا، مع أنا نرى الفقهاء يستدلون بنفي الضرر على الأعم من ذلك، مثلا يقولون بعدم وجوب الحج مع العلم بالضرر أو ظنه في الطريق، تمسكا بنفي الضرر، وأمثال ذلك.
فظهر مما ذكر: أن الموافق للأصل والأوفق بكلمات القوم، هو المعنى