ما عهد من مذهبهم من عدم الاقتداء بالفاسق، وكانت الجمعة في الأغلب من المخالفين، وخصوصا في المدن المعتبرة، فلم يتمكن الشيعة من ذلك، وزرارة وعبد الملك كانا بالكوفة، وهي أشهر مدن الاسلام يومئذ، وكان إمام الجمعة فيها مخالفا، فتهاونهما لذلك، ولما كانت الجمعة من أعظم الفرائض، ما رضي الإمام بتركها مطلقا، فلذلك حث على فعلها سرا مهما تيسر، وهذا هو السبب في تهاون أصحابنا لهذه الفريضة في زمن الغيبة، حتى آل الحال إلى تركها رأسا في أكثر الأوقات والأصقاع، مع إمكان الإتيان بها على وجهها. ونقل نظير ذلك من الشهيد الثاني (1) (رحمه الله) أيضا.
أقول: أما حمل الرواية على التقية وأن المراد أنه يجب عليهم الإتيان بذلك خفية - كما ذكره - يضعفه ما يظهر من تتبع الأخبار والآثار، كمال تأكيدهم (عليهم السلام) في أمر التقية، وتحذيرهم لشيعتهم وذمهم إياهم على تركها، بل وربما نرى سأل الراوي عن حال شئ وقال: " أجب لي بغير تقية " وقال: " ما حكم هذا من دون تقية " فأجابوا (عليهم السلام) بأنه هكذا، وهو أيضا موافق للتقية، ومع هذا كيف كان يرضى لزرارة وغيره من أصحابه أن يرتكبوا مثل هذا الأمر العظيم الذي هو أظهر عندهم من كل مخالفة لهم؟
سيما وفيها داعية الرئاسة والاجتماع والتصفح عنهم والتنفر عن جمعيتهم، ويصير هذا سببا لضغنهم وعداوتهم وأذيتهم للشيعة، فإن ذلك ليس مما يختفى ويمكن اختفاءه بحيث لا يظهر على المخالفين، سيما وهم (عليهم السلام) لا يرضون بذلك في مقام احتمال الضرر فكيف بمثل هذا الأمر الذي لو لم يكن يقيني الضرر فلا أقل من مظنونه؟
ومن كل ذلك علم أن زرارة وأتباعه كانوا آمنين من الخوف، متمكنين من الصلاة، ولكنهم لا يدرون الجواز بدون إذن الإمام بخصوصه أو حضوره بنفسه، ولم يكن الإمام بنفسه يومئذ أيضا متمكنا من الإتيان بها أو نصب شخص خاص،