رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان بمكة جهر بصلاته، فيعلم بمكانه المشركون فكانوا يؤذونه، فأنزل هذه الآية عند ذلك (1).
ومنها: لا تجهر بصلاتك كلها، ولا تخافت بها كلها، وابتغ بين ذلك سبيلا، أي:
التبعيض على ما عين من السنة.
ومنها: لا تعلنها إعلانا يوهم الرياء، ولا تسترها بحيث يظن بك تركها أو التهاون بها.
وذكروا وجوها اخر بعيدة، ومما يؤيد ما اخترنا من كون ظاهر الآية بيان حد الجهر في الجهريات وأن المراد انتفاء الحد الأوسط فيه ما رواه العياشي عن المفضل قال: سمعت وسئل عن الإمام هل عليه أن يسمع من خلفه وإن كثروا (2) من الآية، وحينئذ لا دلالة في الآية على المطلوب، ويرجع الكلام إلى النزاع في أصل التحديد، والترجيح معنا كما ذكرنا.
وأما على الثاني - فمع تسليم ذلك، وأن الظاهر ليس كما ذكرنا - فيخصص عموم الآية، ويقيد مطلقها بما ذكرنا من الأدلة، فإن الصلاة في الآية مطلقة، وكذلك السبيل، فهذه الأدلة قرينة على أنه ليس المراد: أنك ابتغ في أي صلاة أردت أي سبيل شئت من سبل الأواسط، بل ابتغ في كل صلاة مخصوصة منها سبيلا مخصوصا من الأواسط.
ويظهر ذلك الخصوصيات من إجماع الأصحاب والأخبار والأدلة التي ذكرنا، وبعنوان الوجوب أيضا موافقا للآية، إذ تخصيص القرآن وتقييده بمثل هذا الخبر الواحد المعتضد بما ذكرنا لا مجال للتأمل في جوازه.
والموافقة للكتاب وإن كان من المرجحات لكن هذه الموافقة المجملة - سيما مع وجود أقوى منها من المرجحات ما هو من الكثرة بمكان للمذهب المنصور - لا يعتمد عليها.