في الكتابين ودعواه الإجماع فيهما عليها إنما هو بناء منه على أن الجلالة عنده ما يكون العذرة أكثر غذائها لا غذاءها محضا، كما سيأتي عنه حكايته قريبا، وبه صرح في الخلاف، فقال: الجلال عبارة عن البهيمة التي تأكل العذرة اليابسة أو الرطبة - إلى أن قال: - فإن كان هذا أكثر علفها كره لحمها عندنا، ثم قال: وروى أصحابنا تحريم ذلك إذا كان غذاؤه كله من ذلك (1).
والكراهة على هذا لا يختص به بل هو مذهب أكثر علمائنا كما صرح به في المختلف (2) والمسالك (3) وغيرهما، ومحل النزاع الذي نسب إليه القول بالكراهة فيه إنما هو الجلالة التي يكون غذاؤها العذرة المحضة، لا مطلق الجلالة، وهو لم يظهر منه القول فيها بالكراهة، بل ظاهره في الخلاف كما عرفت القول فيها بالحرمة، مدعيا عليها في الظاهر إجماع الفرقة، بعد أن نسبها إلى رواية الأصحاب كافة.
فانحصر القائل بالكراهة في محل المشاجرة في الإسكافي خاصة، وهو شاذ، وحجته غير واضحة، عدا الأصل المخصص بما مر من الأدلة.
هذا، وربما حمل كلامه بعض الأجلة على ما يرجع إلى ما ذكره الجماعة، وعليه فلا خلاف في المسألة، ولا إشكال بحمد الله سبحانه.
واختيار صاحب الكفاية (4) الكراهة ضعيف غايته، كمستنده الذي ذكره أنه لا يستفاد من الأخبار أكثر من الرجحان مع ما علم من العمومات الدالة على الإباحة، لابتناء ما ذكره من عدم استفادة الحرمة من النواهي المتقدمة على ما اختاره من عدم إفادة نواهي الأئمة (عليهم السلام) إياها إلا بالقرينة، وهي في المقام مفقودة. وهو فاسد بالضرورة، كما برهن في محله.