فلا وجه لانبعاثه من الأمر الغيري، وإن كان لا ينبعث منه فلا وجه أيضا لانبعاثه منه، لأنه أمر غيري لا عقاب عليه، ولا ثواب، فعلى كل تقدير لا ثمرة تترتب على هذا الأمر الغيري، فيكون لغوا، ضرورة أن غرض الآمر من الأمر، ليس إلا بعث العبد نحو المأمور به، وهذا مما لا يحصل من الأمر الغيري، فالأمر الغيري لا بد وأن يكون إرشادا إلى حكم العقل في المقدمات الوجودية العقلية، وإلى الشرطية والجزئية في المقدمات الشرعية الداخلية والخارجية.
أقول: الأمر كما حقق، ولا شبهة عندنا في عدم الملازمة العقلية، ولا العقلائية بين الإرادتين، ولكن لنا أن ندفع إجبار المولى في إرادته الغيرية بالوجه المزبور:
بأن الوجدان حاكم بصحة نداء المولى: بأنه ما أوجب على كل أحد المقدمة، وما أراد من المكلفين - بإرادة مولوية - جميع المقدمات من المطلقة إلى الموصلة والمنتهية، فهل ترى في ذلك عبثا ولعبا في الكلام؟! أم تجد أن هذا موافق للعقل، لأنه بعدما كان العقل يرى اللابدية، فما كان لزوم لتلك الإرادة وذلك الإيجاب.
فتحصل حتى الآن: أن الملازمة ممنوعة، وإلزام المولى بتلك الإرادة أيضا ممنوع.
وأما دفع شبهة الوالد المحقق - مد ظله - (1) بيانا للامتناع، فلنا دعوى: أن للمولى جعل الثواب على كل خطوة موصلة ومنتهية إلى الواجب، فإن العبد إذا كان يرى الثواب الكثير فينبعث، فلا تلزم اللغوية، فيكون الأوامر الغيرية الواردة في الشريعة، باقية على وجوبها الغيري المولوي.
ثم إن العبد تارة: يكون ناظرا إلى ما يترتب من الآثار على المأمور به فعلا وتركا، فيكون انبعاثه من تلك المبادئ، لا من الأمر، فكيف يكون في هذه المواقف الغرض من الأمر بعث العبد؟!