ثالثها: ما تكون عكس ذلك، ومثاله الاختيار.
فبالجملة: الإرادة ليست ذات مقام ثبوت، بل هي في كل موقف، لا بد لها من متعلق يكون هو المراد، وهو في الإرادة الفاعلية الحركة مثلا، وفي الإرادة الآمرية البعث بإبراز الألفاظ الموضوعة له وهكذا.
وأما في الإرادة الذاتية، فهي حقيقة في المعنى المشفوع بالاختيار الذاتي، ولذلك فسرت ب " العلم بالصلاح " فإن الذات المشفوعة بالاختيار الذاتي الملازم مع العلم بالصلاح، لها خاصية تلك الإرادة، وتفصيله في محله (1)، وقد تعرضنا لبعض هذه المباحث في أوائل هذا المقصد (2).
فعلى هذا، كيف يعقل الإرادة الآمرية في نفس المولى، وهي غير ظاهرة بإحدى مظاهرها من اللفظ والإشارة وما شابههما؟!
وقد مضى: أن ما هو المطابق لوجدان كل ذي وجدان، هي الملازمة بين الإرادة المتعلقة بالبعث إلى ذي المقدمة، وبين الشوق والحب (3) للمقدمات، ولكنهما ليسا الإرادة، ولا يكفيان لاعتبار الوجوب والحكم، فما هو في نفس المولى ليس إلا هذه الأمور، دون الإرادة.
إن قلت: نعم، ولكن للمولى البعث نحو المقدمات أحيانا، كما وقع في الكتاب والسنة كثيرا، ولا سيما بالنسبة إلى المقدمات الداخلية، فيستكشف بذلك التلازم العقلائي مطلقا.
قلت: لا يعقل أن يكون هذا البعث مولويا، وذلك لأن العبد لا يخلو من إحدى حالتين: لأنه إما يكون ينبعث من الأمر النفسي، أم لا ينبعث منه، فإن كان ينبعث منه