ومما ذكرناه يظهر ما في كلمات القوم في هذا المقام. مع أن المسألة قليلة الجدوى، وكأنهم لذهولهم عما هو مقصود الباحثين من هذا التقسيم، وقعوا في معركة تفسير الأصلي والتبعي بما هو خارج عن التحقيق.
وبالجملة: لست أقول: إن الوجوب التبعي هو الوجوب المجازي، كالوجود التبعي، بل الوجوب التبعي هو الوجوب واقعا، وفي مرتكز النفس، ولكنه تابع لأمر آخر. والدليل على وجود هذا المعنى الارتكازي: هو الوجوب البارز الظاهر بالفعل.
وإن شئت قلت: الواجب بالوجوب التبعي موصوف ب " الوجوب " مجازا وتقديرا بعلاقة الأول. هذا بحسب الثبوت. والدليل على هذا المجاز: هو الوجوب المستدعي لذلك البارز الظاهر بقالب لفظي مثلا.
والذي يسهل الخطب: أن الغفلة والذهول واللا التفات، لا تتصور في مقنن الاسلام ومشرع هذه الشريعة، فجميع الواجبات الإسلامية - نفسية كانت، أو غيرية - مورد الالتفات الفعلي، فيكون كلها من الواجبات الأصلية، لعدم التقدير فيها.
ومما ذكرنا يظهر: أن تقسيم الواجب إلى الأصلي والتبعي، لا يصح بالنسبة إلى حال المقنن في الاسلام، ولا يحتاج إليه.
ويظهر: أن " الكفاية " ذكر هذه المسألة مستقلة (1)، ولعله كان عليه أن يذكره تحت عنوان " الأمر الخامس " لابتناء دفع الشبهة عن الواجب الغيري على ذلك، ولم يكن ينبغي أن يذكره في ذيل " الأمر الثالث " لأن " الأمر الثالث " انعقد لذكر الواجبات التي تكون مقدماتها داخلة في محط النزاع (2)، لا مطلق الواجبات. والأمر - بعد ذلك كله - سهل، فافهم واغتنم، وتأمل جيدا.