فبالجملة: قضية التحقيق أن الوجوب بمعنى اللزوم، لا يتقوم بالإنشاء والإظهار، وكذا بمعنى الثبوت، فلو كان المولى مريدا للإكرام، واطلع العبد عليه، فيجب عليه تبعية إرادته بالضرورة، ويكون الإكرام واجبا وثابتا عليه.
ولو كان الوجوب معنى اعتباريا منتزعا من الانشاء وإبراز الإرادة، فلا يوصف في الفرض السابق الإكرام ب " الوجوب " كما أن الحكم كذلك عند المتبادر والمتفاهم البدوي.
وهنا شق ثالث: وهو ما لو اطلع المولى عليه لأراده، سواء كان ذلك في المطلوب النفسي، أو الغيري، ففيما إذا أظهر إرادته في القالب اللفظي أو الإشارة، فهو من الواجب الأصلي، ومقابله التبعي.
وهذا تفسير غير صحيح، لأن معنى " التبعية " هو كون الوجوب تبعا للوجوب الآخر، أو إذا كانت الإرادة في نفسه موجودة بالفعل، ولكنها غير مظهرة بعد، فيكون هذا مع سابقه أصليا، والآخر تبعيا، أي مقابله وهو ما لا تكون الإرادة في نفسه موجودة، كما في حال النوم، ولكنه لو توجه لأراد، فيكون هذا تبعيا، وهذا أيضا خلاف الظاهر من " التبعية ".
فجميع هذه الأنحاء من الواجبات الأصلية.
فيبقى التبعية: وهو ما كان بحسب الثبوت والإثبات تبعا، وهو ينحصر في الوجوب الغيري، فإن الإرادة فيه تابعة للإرادة الأخرى، لا بمعنى الترشح، بل بمعنى أن من مبادئ وجود الإرادة التبعية، وجود الإرادة الأصلية بحسب مقام الثبوت، ويستظهر ذلك بعد ظهور الإرادة الأصلية من المولى.
فعلى هذا، لا يتوجه الإشكال: بأن الوجوب الغيري غير صحيح، لأن الوجوب معنى متقوم بالبروز والظهور، والإرادة الغيرية مخفية، ولها شأنية الوجود أحيانا.