المجعولة عنده، فإذا كان المعنيان كلاهما قابلين لتعلق غرضه بهما بما أنه شارع، والفرض أنه بشارعيته وثبوت اصطلاح خاص له بالنسبة إلى هذه الألفاظ لم يخرج عن كونه تابعا لواضع لغة العرب ومطاوعا لوضعه، فيصير اللفظ بالنسبة إليه بل بالنسبة إلى تابعيه من الألفاظ المشتركة، ولا وجه لحملها على المعاني الشرعية بلا قرينة.
ويمكن أن يجاب بأن الحكمة كما اقتضت وضع هذه الألفاظ لهذه المعاني من جهة تفهيم المخاطبين وعدم تحيرهم في فهم مراداته كذلك اقتضت أن تكون المعاني اللغوية مهجورة عنده لئلا يلزم الإخلال بالحكمة المقتضية للوضع، فكأنه لوضعه هذه الألفاظ لتلك المعاني صار عادلا عن مطاوعة الوضع اللغوي، سيما على القول بالوضع عبارة عن التعهد والالتزام من الواضع بأن لا يستعمل هذا اللفظ إلا مريدا به ذلك المعنى، فإنه على هذا القول نفس وضعه هذه الألفاظ لتلك المعاني لازمه العدول عن مطاوعة الوضع اللغوي، فصار المعنى اللغوي مهجورا، والحقيقة المهجورة لا توجب التوقف في حمل اللفظ على المعنى المنقول إليه.
ثم إنه لا يخفى أن النزاع في هذه قليل الجدوي، إذ لا إشكال في حمل الأخبار الصادرة عن الأئمة (عليهم السلام) سيما الصادقين على المعاني الشرعية سواء قلنا بأنها حقيقة شرعية أو حقيقة متشرعة فان لسنا دائر مدار التسمية، والعمدة في بيان الأحكام إنما هي الأخبار الصادرة عنهم، وإنما تظهر الثمرة في الأحاديث المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله) وهي مع قطع النظر عن اعتبارها من حيث السند وقلتها في نفسها محفوفة بالقرائن الدالة على المراد، بل الأخبار الصادرة عن الائمة محفوفة بالقرائن الدالة على المعاني الشرعية.
فعلى هذا لا يبقى لهذا النزاع ثمرة، ولذا لم يبتنوا على هذا النزاع فرعا من الفروع الفقهية كما فرعوا على النزاع في جواز اجتماع الأمر والنهي ومسألة أن الأمر بالشيء نهي عن ضده وأمثالهما من المسائل الأصولية التي المختلف فيها،