خلاف عندهم في حملها على المعاني الشرعية، ولم يفصلوا التفصيل الذي ذكروه في الوضع التعيني، والحال أنه جار هنا ذلك، لأن الوضع التعييني والاستعمال كليهما حادثان.
فيمكن أن يكون تاريخ الوضع مقدما على تاريخ الاستعمال، ويمكن أن يكون الأمر بالعكس، ويمكن أن يكون عالما بتاريخهما، ويمكن أن يكون جاهلا، فالصور والشقوق المتقدمة تجري هنا أيضا، ولعل وجه عدم إجرائها - بناء على الوضع التعيني والاتفاق على حملها على معانيها اللغوية - هو أن الحكمة لو اقتضت وضعها لها لاقتضت وضعها لها من أول الأمر، فلا محالة يكون الوضع قبل الاستعمال، مثلا لو كانت الحكمة في وضع هذه الألفاظ هو فهم المخاطبين هذه المعاني المحدثة من تلك الألفاظ وعدم تحيرهم في فهم مراده، فهذه الحكمة موجودة من أول الأمر، فلابد من وضعها أولا ثم استعمالها في مقام إفهام هذه المعاني، فلهذا لم يذكروا التفصيل المذكور في الوضع التعيني هنا. واحتمال أن تكون الحكمة مقتضية لتأخير الوضع عن الاستعمال صرف احتمال عقلي لا منشأ له، وإلا فلو كان احتمال معتد به لجرى التفصيل المذكور سابقا بناء على هذا القول أيضا.
بقي هنا إشكال آخر وهو: أنه بناء على الوضع التعيني أو الوضع التعييني ما وجه حمل تلك الألفاظ الواقعة في كلام الشارع على المعاني الشرعية؟ والحال أنها تصير من قبيل المشترك، ولا يمكن حمله على أحد المعاني إلا بقرينة معينة، لأن الشارع بشارعيته له وضع بالنسبة إلى هذه الألفاظ، ومن حيث إنه من أهل لغة العرب مطاوع لواضع اللغة، ويمكن أن يكون معناها اللغوي متعلقا لغرضه من حيث شارعيته أيضا، مثلا المعنى الشرعي الذي للصلاة - وهو الأركان المخصوصة - كما يكون متعلقا لمقاصده وأغراضه كذلك المعنى اللغوي الذي لها وهو الدعاء أيضا يمكن أن يكون متعلقا لغرضه.
فعلى هذا لا يمكن القول بما أنه شارع لا يتعلق غرضه إلا بالمعاني الشرعية