صيرورة اللفظ حقيقة متوقفة على تكرر الاستعمال حتى يصير اللفظ حقيقة، وهو إنما يحصل بالتدريج، فقبل صيرورة اللفظ حقيقة أو مجازا مشهورا بالنسبة إلى المعنى الشرعي لو استعمل يحمل على المعنى اللغوي، كما لو استعمل بعد وصوله إلى حد الوضع يحمل على المعنى الشرعي، ولا إشكال في هاتين الصورتين، وإنما الإشكال فيما إذا اشتهر استعمالها في المعاني الجديدة ولم يصل إلى حد الوضع، ويصير من دوران الأمر بين الحقيقة والمجاز الراجح، فقيل (1) بتقديم الحقيقة بناء على أن أصالة الحقيقة معتبرة عند العقلاء تعبدا لا من باب الظهور العرفي، لأن فائدة الوضع حمل اللفظ على الموضوع له عند عدم القرينة على خلافه، وقيل (2) بتقديم المجاز الراجح بظهور اللفظ فيه وغلبة استعماله فيه، وقيل بالتوقف كما ربما يظهر من صاحب [الفصول] حيث قال: يظهر من تضاعيف الأخبار المروية عن الأئمة (عليهم السلام) أن استعمال صيغة الأمر في الندب كان من المجازات الراحجة المساوية احتمالها لاحتمال الحقيقة... إلى آخره.
والظاهر أن مراتب الشهرة مختلفة فرب مرتبة لا توجب التوقف في حمله على المعنى الحقيقي أو المجازي، ورب مرتبة توجبه، فلا يمكن دعوى الكلية في شيء من الطرفين، كما لا يخفى.
ثم إنه إذا حصل الوضع التعيني بكثرة الاستعمال، واستعمل اللفظ أيضا فإما أن يكون الاستعمال وحصول العلقة الوضعية معلومي التاريخ، أو مجهولي التاريخ، أو أحدهما معلوما والآخر مجهولا، فالصور أربعة، فإن كانا معلومي التاريخ فلا إشكال في أنه إن كان تاريخ الاستعمال متأخرا عن الوضع يحمل على المعنى الشرعي، وإن كان تاريخ الوضع متأخرا يحمل على المعنى اللغوي، وإن كان أحدهما معلوم التاريخ: فإن كان تاريخ الاستعمال معلوما وتاريخ الوضع غير معلوم فيحمل على المعنى اللغوي، لأن عدم العلم بالوضع في حال الاستعمال