يبتدأ منها القصر لا غاية السفر، قال: ولا يخفى بعد هذا الحمل، مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال: سألت أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع، فقال أنس: فذكر الحديث قال: فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدئ القصر منه. وذهب الشافعي ومالك وأصحابهما، والليث والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث وغيرهم إلى أنه لا يجوز إلا في مسيرة مرحلتين وهما ثمانية وأربعون ميلا هاشمية كما قال النووي. وقال أبو حنيفة والكوفيون: لا يقصر في أقل من ثلاث مراحل. وروي عن عثمان وابن مسعود وحذيفة. وفي البحر عن أبي حنيفة أن مسافة القصر أربعة وعشرون فرسخا. وحكي في البحر أيضا عن زيد بن علي والنفس الزكية والداعي والمؤيد بالله وأبي طالب والثوري والكرخي وإحدى الروايات عن أبي حنيفة أن مسافة القصر ثلاثة أيام بسير الإبل والاقدام. وذهب الباقر والصادق وأحمد بن عيسى والقاسم والهادي إلى أن مسافته بريد فصاعدا، وقال أنس وهو مروي عن الأوزاعي: أن مسافته يوم وليلة. قال في الفتح: وقد أورد البخاري ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة يعني قوله في صحيحه، وسمى النبي (ص) السفر يوما وليلة بعد قوله باب في كم يقصر الصلاة. وحجج هذه الأقوال مأخوذ بعضها من قصره (ص) في أسفاره، وبعضها من قوله (ص): لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم عند الجماعة إلا النسائي. وفي رواية للبخاري من حديث ابن عمر عنه (ص): لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم. وفي رواية لأبي داود: لا تسافر المرأة بريدا. ولا حجة في جميع ذلك. أما قصره (ص) في أسفاره فلعدم استلزام فعله لعدم الجواز فيما دون المسافة التي قصر فيها، وأما نهي المرأة عن أن تسافر ثلاثة أيام بغير ذي محرم فغاية ما فيه إطلاق اسم السفر على مسيرة ثلاثة أيام، وهو غير مناف للقصر فيما دونها، وكذلك نهيها عن سفر اليوم بدون محرم، والبريد لا ينافي جواز القصر في ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ كما في حديث أنس، لأن الحكم على الأقل حكم على الأكثر.
وأما حديث ابن عباس عند الطبراني أنه (ص) قال: يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان فليس مما تقوم به حجة لان