أن صلاة السفر مفروضة كذلك من أول الأمر، وأنها لم تكن أربعا ثم قصرت. وقوله:
على لسان محمد تصريح بثبوت ذلك من قوله (ص) الحجة الخامسة:
حديث ابن عمر الآتي بلفظ: أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر. (واحتج القائلون) بأن القصر رخصة والتمام أفضل بحجج. الأولى: منها قول الله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * (النساء: 101) ونفي الجناح لا يدل على العزيمة بل على الرخصة، وعلى أن الأصل التمام، والقصر إنما يكون من شئ أطول منه. وأجيب بأن الآية وردت في قصر الصفة في صلاة الخوف لا في قصر العدد، لما علم من تقدم شرعية قصر العدد. قال في الهدى وما أحسن ما قال: وقد يقال إن الآية اقتضت قصرا يتناول قصر الأركان بالتخفيف وقصر العدد بنقصان ركعتين وقيد ذلك بأمرين: الضرب في الأرض، والخوف، فإذا وجد الامر أن أبيح القصران، فيصلون صلاة خوف مقصورا عددها وأركانها، وإن انتفى الأمران وكانوا آمنين مقيمين انتفى القصران فيصلون صلاة تامة كاملة، وإن وجد أحد السببين ترتب عليه قصره وحده، فإن وجد الخوف والإقامة قصرت الأركان واستوفى العدد، وهذا نوع قصر، وليس بالقصر المطلق في الآية، وإن وجد السفر والامن قصر العدد واستوفيت الأركان وصليت صلاة أمن، وهذا أيضا نوع قصر، وليس بالقصر المطلق، وقد تسمى هذه الصلاة مقصورة باعتبار نقصان العدد، وقد تسمى تامة باعتبار تمام أركانها وإن لم تدخل في الآية اه. الحجة الثانية: قوله (ص) في حديث الباب: صدقة تصدق الله بها عليكم فإن الظاهر من قوله: صدقة أن القصر رخصة فقط. وأجيب بأن الامر بقبولها يدل على أنه لا محيص عنها وهو المطلوب.
الحجة الثالثة: ما في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم القاصر، ومنهم المتم، ومنهم الصائم، ومنهم المفطر، لا يعيب بعضهم على بعض، كذا قال النووي في شرح مسلم، ولم نجد في صحيح مسلم قوله: فمنهم القاصر، ومنهم المتم وليس فيه إلا أحاديث الصوم والافطار، وإذا ثبت ذلك فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقررهم عليه، وقد نادت أقواله وأفعاله بخلاف ذلك، وقد تقرر أن إجماع الصحابة في عصره صلى الله عليه وآله وسلم ليس بحجة، والخلاف بينهم في ذلك مشهور بعد موته، وقد أنكر جماعة منهم علي وعثمان لما أتم بمنى وتأولوا له تأويلات.
قال ابن القيم: أحسنها أنه كان قد تأهل بمنى، والمسافر إذا أقام في موضع وتزوج فيه،