ما سيأتي في تفسير اللغو من اختصاصه بالكلام الباطل الذي لا أصل له لولا ما سيأتي من الأدلة القاضية بالتعميم. قوله: والامام يخطب فيه دليل على اختصاص النهي بحال الخطبة، ورد على من أوجب الانصات من خروج الامام. وكذلك قوله يوم الجمعة ظاهره أن الانصات في خطبة غير يوم الجمعة لا يجب. قوله: فقد لغوت قال في الفتح قال الأخفش: اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه. وقال ابن عرفة:
اللغو السقط من القول. وقيل: الميل عن الصواب. وقيل: اللغو الاثم لقوله تعالى: * (وإذا مروا باللغو مروا كراما) * (الفرقان: 72) وقال الزين ابن المنير: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام، وأغرب أبو عبيد الهروي في الغريب فقال: معنى لغا تكلم والصواب التقييد. وقال النضر بن شميل: معنى لغوت خبت من الاجر. وقيل: بطلت فضيلة جمعتك، وقيل: صارت جمعتك ظهرا. قلت: أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى، انتهى كلام الفتح.
وفي القاموس: اللغو السقط وما لا يعتد به من كلام أو غيره انتهى. ويؤيد قول من قال: إن اللغو صيرورية الجمعة ظهرا ما عند أبي داود وابن خزيمة من حديث ابن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ: من لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا. قوله: فلا جمعة له قال العلماء معناه: لا جمعة له كاملة للاجماع على إسقاط فرض الوقت عنه. قوله:
فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا شبه من لم يمسك عن الكلام بالحمار الحامل للأسفار بجامع عدم الانتفاع. وظاهر قوله: من تكلم يوم الجمعة المنع من جميع أنواع الكلام من غير فرق بين ما لا فائدة فيه وغيره. ومثله حديث جابر الذي تقدم، وكذلك حديث أبي لاطلاق الكلام فيهما. ويؤيده أنه إذا جعل قوله أنصت مع كونه أمرا بمعروف لغوا فغيره من الكلام أولى بأن يسمى لغوا. وقد وقع عند أحمد بعد قوله: فقد لغوت عليك بنفسك، ويؤيد ذلك أيضا ما تقدم من تسمية السؤال عن نزول الآية لغوا، وقد ذهب إلى تحريم كل كلام حال الخطبة الجمهور، ولكن قيد ذلك بعضهم بالسامع للخطبة، والأكثر لم يقيدوا قالوا: وإذا أراد الامر بالمعروف فليجعله بالإشارة، قال الحافظ:
وأغرب ابن عبد البر فنقل الاجماع على وجوب الانصات للخطبة على من سمعها إلا عن قليل من التابعين منهم الشعبي، وتعقبه بأن للشافعي قولين، وكذلك لأحمد، وروى عنهما التفرقة بين من سمع الخطبة ومن لم يسمعها. ولبعض الشافعية التفرقة بين من تنعقد بهم الجمعة فيجب عليهم الانصات، وبين من زاد عليهم فلا يجب. وقد حكى