والنووي، وذهب آخرون إلى ترجيح حديث عبد الله بن سلام، حكى ذلك الترمذي عن أحمد أنه قال: أكثر الأحاديث على ذلك. وقال ابن عبد البر: أنه أثبت شئ في هذا الباب، ويؤيده ما سيأتي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن من أن ناسا من الصحابة أجمعوا على ذلك، ورجحه أحمد وإسحاق وجماعة من المتأخرين. (والحاصل) أن حديث أبي هريرة المتقدم ظاهره يخالف الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر، لأن الصلاة بعد العصر منهي عنها وقد ذكر فيه: لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي وقد أجاب عنه عبد الله بن سلام بأن منتظر الصلاة في صلاة، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سيأتي، ولكنه يشكل على ذلك قوله قائم، وقد أجاب عنه القاضي عياض بأنه ليس المراد القيام الحقيقي، وإنما المراد به الاهتمام بالامر كقولهم:
فلان قام في الامر الفلاني، ومنه قوله تعالى: * (إلا ما دمت عليه قائما) * (آل عمران: 5) وليس بين حديث أبي هريرة وحديث أبي موسى الآتي تعارض ولا اختلاف، وإنما الاختلاف بين حديث أبي موسى وبين الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر، أو آخر ساعة من اليوم وسيأتي. فأما الجمع فإنما يمكن بأن يصار إلى القول بأنها تنتقل، فيحمل حديث أبي موسى على أنه أخبر فيه عن جمعة خاصة، وتحمل الأحاديث الاخر على جمعة أخرى، فإن قيل بتنقلها فذاك، وإن قيل بأنها في وقت واحد لا تنتقل، فيصار حينئذ إلى الترجيح، ولا شك أن الأحاديث الواردة في كونها بعد العصر أرجح لكثرتها واتصالها بالسماع، وأنه لم يختلف في رفعها، والاعتضاد بكونه قول أكثر الصحابة ففيها أربعة مرجحات. وفي حديث أبي موسى مرجح واحد وهو كونه في أحد الصحيحين دون بقية الأحاديث، ولكن عارض كونه في أحد الصحيحين أمران وسيأتي ذكرهما في شرحه. وسلك صاحب الهدى مسلكا آخر، واختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر، لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم دل على أحدها في وقت وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البر: أنه ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين، وسبق إلى تجويز ذلك الإمام أحمد. قال ابن المنير: إذا علم أن فائدة الابهام لهذه الساعة والليلة القدر بعث الدواعي على الاكثار من الصلاة والدعاء، ولو وقع البيان لها لا تكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها، فالعجب بعد ذلك ممن يتكل في طلب تحديدها، وقال